من الحكمة الشرعية - فيما أرى - أن يتخلص الخطاب الإسلامي من التعامل بلغة واحدة، إذ تجد بعض أهل الدعوة والعلم جَمَع أزمة الأمة في الواقع السياسي الذي تعيشه، فتراه لا يمارس إلا هذه اللغة وأن الواقع السياسي هو قضية كل قضايا الأمة! وتجد نمطا آخر من الخطاب الإسلامي لا يخاطب إلا أهل الصلاح والبر والتقوى، يؤدبهم بالمشروعات والفضائل إذ لا يتصور – هنا - الكلام في الأصول الواجبة؛ لأن هذه النخبة متفاعلة معها، وربما يكون هذا الخطاب أداة لفصل المجتمع الإسلامي إلى طبقات تعيش العزلة والصراع الشعوري - أحيانا - فيما بين أهل الصحوة وبقية طبقات المجتمع المسلم الذي قد لا يكون ذا طابع دعوي لكنه مسلم وفيه خير.
إن الرسل بعثوا إلى قوم مشركين، وهكذا أتباعهم يجب أن يخاطبوا كل أحد، فإن جميع عباد الله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ومن المهم - هنا - أن يعمل شباب الصحوة ودعاتها على جميع المواقع الدعوية، وأن يصبّر بعضهم بعضا، ويصدّق بعضهم بعضا، ويعذر بعضهم بعضا فيما يقبل الاختلاف والتنوع والاجتهاد.
وهنا يجب أن يكون دعاة الإسلام أكثر تأصيلا وواقعية، فإن تقدير دائرة ما يقبل الاجتهاد وما لا يسع فيه الخلاف وأمثال ذلك من أكبر مقاصد الشريعة، وأدقّ مقامات العلم، فهذا يستلزم أن تحكم هذه القضايا بالأدلة الشرعية من الكتاب، والسنة، والإجماع.
- من المهم أن يُربَّى شباب الدعوة - وسواد المسلمين عموما - على قواعد الشرع الصحيحة في التعامل، والحكم على القضايا والمجتمعات والأعمال الإسلامية، وحتى من الأعيان من أهل العلم، أو الدعوة، أو الحركة داخل الجماعات التي توجد في كثير من البلاد الإسلامية، وهنا فإن كل من أهمّه هذا الدين والدعوة إليه، وقصد هَدْيَ رسول الله (ص) في دعوته حسب ما أمكنه، فهذا ما ينبغي أن يعظم قدره ويثنى عليه بخير، ويعان على طاعة الله والدعوة إلى دين الإسلام، وما يكتنفه من الخطأ يصحّح بالدليل والرفق فإن الله - تعالى - قال عن الخضر: «فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما» فهكذا أهل الدعوة إلى دين الإسلام عليهم أن يُرَبُّوا أنفسهم على الرحمة والعلم، فإن الداعي لا بدّ له من جمعهما، وكل يؤخذ من قوله ويرد فهذه من القواعد المهمة، فليس ممكنا أن يكون الدعاة وأهل العلم لا يقولون إلا صوابا، فإنهم ليسوا معصومين، بل منهم من يخطئ فيصيب غيره، ولا يجمع الله الأمة على الخطأ، وعليه فينبغي أن نعلم أن من أكبر مقاصد الشريعة جمع القلوب على الدين والهدى، والرفق في البيان والدعوة، وهنا ينبغي أن يتربى الناس على أن الصواب صواب، والخطأ خطأ لكن الخطأ الواحد ليس يقتضي ضرورة مصادرة الآخرين أو الرمي بالشَّين، وما يؤسف كثيرا أن طائفة من الأمة من هم على الإسلام ويقتدون بالكتاب والسنة في دعوتهم قد تفرغ بعضهم لبعض، واتخذ نوع من هؤلاء العلم بغيا بينهم كما اتخذه أهل الكتاب من قبل، وهذا من أخلاق الأمم الكافرة التي دخلت على بعض فضلاء المسلمين، وصار كثير منهم لا يحسب غيره ـ من دعاة الإسلام ـ على شيء، كما أن اليهود والنصارى كان هذا خلقهم «وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء «وهنا يذكر الإمام ابن تيمية أن هذه الصور من التشبه العلمي بأحوال وأخلاق أهل الكتاب التي دخلت على بعض أهل العلم والشريعة في هذه الأمة.
إن كثيرا من الشباب - وربما بعض الدعاة - يشتد في محاربة صورة من صور التشبه في اللباس - مثلا - على مستوى الأطفال، وهذا نظر جيد، لكنه ربما يمارس أو يغفل عن معالجة صور أخرى للتشبه بالكفار ضررها متعدٍّ إلى مستوى التأثير على حركة الدعوة والإصلاح.
- علماء الإسلام الكبار ودعاته يعرف لهم قدرهم وفضيلتهم، لكن يعلم أن الهدي هدي رسول الله، والدين هو ما شرعه الله ورسوله، فأنْ يعرف لأحد حقه لا يعني أن كلامه لا يقبل النظر والمراجعة والخطأ، بل الرد والترك إلى سُنَّة ظهرت وحقٍّ بَانَ بالدليل، وما زال علماء الإسلام يتراجعون ويختلفون، بل هذا هو الواجب على أهل العلم ورجال الدعوة.
وهنا من الخلق الفاضل ألاّ يتقحم الشباب المقبل على الدعوة والشارع في طلب العلم ما ليس هو ما قُدِرَ له من قضايا الأمة الكبرى أو مسائل العلم الكبرى التي تحتاج سعة في العلم، وحذقا في الرأي، وسدادا في العقل؛ فأن يعرف كل واحد ما أمره الله ورسوله به، وما ندب إليه في شرع الله هذا هو موافقة الهدى والعمل بأدب الله الذي أدب به أهل الإيمان، والله - سبحانه - يبتلي العباد بما آتاهم.
- من المهم أن نعي أن الأمة تحتفظ بمقدرات كامنة في نفوس سواد أهل الإسلام، مع إدراك أن جمهور هذا السواد يُغيَّب كثيرا عن أصالته وديانته وولائه للدين تحت المشروعات التي تقدمها التجمعات المعادِيَة للأمة ودينها، عبر الفضائيات، ومناهج التعليم، ومجالات الوعي والتربية، وهنا يجب على دعاة الإسلام وشباب الصحوة أن يخوضوا معارك جادّة مع هذه المشروعات بالسلاح نفسه.
إن انحصار مفهوم الجهاد في عرف كثير من المسلمين على السيف غفلة عن حقيقة الإسلام وهدي الرسل، وإن الله أمر نبيه أن يجاهد الناس بالقرآن والسيف، ولئن كانت هذه المشروعات التي تمارِسُ تغييب الوعي في كثير من المجتمعات الإسلامية أكثر امتيازا في الإمكانات الاقتصادية والتخطيطية، فإن الدعاة وشباب الصحوة يحتفظون بالتناسب بين المقدرات الكامنة في نفوس هذه المجتمعات والدعوة التي يقدمونها، والتي يجب أن تُعْنَى ببناء الثوابت والأصول الإسلامية الإيمانية، ولا تستعجل أمرها فلئن تأخر قوم عن الاستجابة فهذا لا يعني بلوغ اليأس، أو حتى فساد المنهج الذي يعالج به هذا الوضع أو ذاك.
وأخيرا... ليكن همُّ كلِّ واحدٍ في هذه الأمة أن يبلِّغ عن الله، ورسوله، ولو آية أو حديثا، وألاّ يمتلكه الحزن الذي يُقْعِد عن العمل لدين الله، أو اتخاذ طريق ليست مشروعة في التعامل، أو الشعور بعدم القدرة والطاقة فيميل إلى الصفائية والمثالية والانتقاء، فيجد نفسه أخيرا مراجعا لإخوانه دعاة الإسلام وشبابه، ثم قائما عليهم حكَمَا وسلطانا على أقوالهم وأعمالهم، يلاحظ كل شاذة وفاذّة في صفوف أهل الدعوة، وهنا ربما خَالَطَه شعور أن هذه هي الأصالة والديانة، وكثيرا ما يكون هؤلاء من يعيش تعثرا في التصحيح والعمل والتربية والبناء؛ فينعكس على متابعة ظِلِّ إخوانه، فلا يرى في الظِّل الصورة الحسنة؛ لأنه لا يرى أخاه بل يرى ظله، وهو لا يعرف الظل ولا يميز به، والظل قدر مشترك، وهنا ربما ناسب ما يقول ابن حزم - رحمه الله -: «إن الاشتراك هو أخص أسباب الغلط في المعارف والقيامات بين الناس».
إقرأ أيضا لـ "الشيخ سلمان بن فهد العودة"العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ