العدد 2386 - الأربعاء 18 مارس 2009م الموافق 21 ربيع الاول 1430هـ

كيف يمكن النهوض ببرنامج زراعة الأعضاء؟

أحمد سالم العريض comments [at] alwasatnews.com

استشاري أمراض وزراعة الكلى

أحيانا من الصعب مقارنة البدء بإنشاء مركز لزراعة الأعضاء في أي بلد، بإنشاء أي برنامج طبي طموح آخر مثل إنشاء برنامج لعلاج أمراض القلب أو أمراض السرطان وذلك لتعدد وتشعب البنى التحتية لاحتياجات إنشاء برنامج زراعة الأعضاء، وسنحاول هنا أن نبين أهم الأسباب:

1 - برنامج زراعة الأعضاء يحتاج لبنى تحتية من جراحين أكفاء ذوي خبرة في هذا المجال، بالإضافة إلى الحاجة لأطباء باطنية ذوي اطلاع متقدم في علاج هبوط وتوقف عمل هذه الأعضاء قبل الزرع وبعده.

2 - الحاجة لمراكز متقدمة لتقديم هذه الخدمات من إنشاء غرف عمليات ذات تأهيل متقدم لإجراء مثل هذه العمليات، ووجود مختبرات لأجراء أبحاث متقدمة على المريض والمتبرع، هذه المختبرات تقدم تحاليل مطابقة الأنسجة ومعرفة الفيروسات المعدية إلى جانب إجراء الفحوصات المختبرية العادية، وكذلك وجود أجهزة متقدمة في قسم الأشعة لأجراء الفحوصات بالسونار والأشعة المقطعية وأشعة الـ MRI وكذلك إمكانية إجراء الأشعة الذرية إلى جانب إجراء الأشعة العادية.

3 - وجود قوانين وتشريعات مناسبة لأجراء هذه العمليات في الدولة منها:

أ- قانون زراعة الأعضاء.

ب- قوانين لتعريف الموت الدماغي.

ج- قوانين لتطبيق الوصية بزراعة الأعضاء.

د- تشريعات شرعية وقانونية تمنع الاتجار بالأعضاء من الأحياء ومن المتوفين دماغيا.

هـ- تطبيق التشريعات الدولية التي تدعو لمحاربة المراكز التي تمارس الاتجار بالأعضاء للحد من ممارسة هذه التجارة.

القائمين على إنجاح برامج زراعة الأعضاء سيواجهون كل هذه المسائل ومحاولة تطبيقها وحتى لو بدأ برنامج لزراعة الأعضاء في بلد معين فإن انتكاسة هذا البرنامج محتملة وتوقف المشروع أو البرنامج لخلل في تطبيق هذه الأمور الأساسية وهذا ما حدث لمشروع زراعة الأعضاء في مجمع السلمانية الطبي.

- كيف يمكن الاستمرار وبنجاح لتقديم هذا البرنامج:

1 - يجب على الإدارات المسئولة عن إدارة هذا البرنامج أن يربطوا نجاح مثل هذا البرنامج بعدد العمليات التي تجرى في بداية المشروع وألا يقيسوا نجاح البرنامج أو فشله بالانتكاسات التي قد يمر بها حتى بعد النجاحات الأولية لأن المعوقات التي تنشىء عند بداية تطبيق البرنامج ستستمر مع تنفيذ مثل هذا البرنامج المتعدد والمتشعب في أركان تطبيقه، لذلك على المسئولين أن يتوقعوا التأخير في تحقيق النجاحات والمرئيات والثوابت غير المنظورة التي تساهم في إنجاح برنامج زراعة الأعضاء أو فشله.

2 - على المسئولين إلا يصيبهم الإحباط، وألا يحاولوا تأييس القائمين على تطبيق البرنامج إذا كانت النتائج وعدد العمليات التي تم إجراؤها لا تتناسب مع االتوقعات.

3 - على القائمين على تطبيق البرنامج وخصوصا الجراحين وأطباء المختبر (المناعي) والعاملين في حجر العمليات من ممرضين وفنيين والعاملين في قسم الأشعة في حال توفر المتبرع من المتوفين دماغيا أن يتواجدوا في أوقات غير محسوبة وفي الساعات الأولى من الصباح أحيانا أو في أي وقت خارج الدوام الرسمي وذلك للاستفادة من الأعضاء لإنقاذ مرضى في قائمة الانتظار.

4 - يجب على القائمين على إنجاح البرنامج من أطباء أن يتوقعوا أن تطبيق البرنامج في مستشفى عام متعدد التخصصات، يمكن أن يحاول البعض إفشاله من قبل قوى قد تكون من داخلية (من داخل المستشفى) أو من خارجه ممن ليس لها مصلحة في إنجاح هكذا برنامج.

القوى الداخلية التي ليس لها مصلحة لإنجاح البرنامج قد يكونون من بين العاملين في المستشفى ممن يعملون خارج أوقات العمل الرسمي دون الحصول على تعويض مالي أو معنوي، هذا العائق أو العوائق يمكن أن تفشل إجراء العملية (عملية نقل الأعضاء) وخصوصا إذا تطلب الأمر إجراء مثل هذه العمليات خارج أوقات الدوام الرسمي.

القوى الخارجية التي تعمل على إفشال البرنامج، قد تكون من خلال محاولة أفراد في المجتمع أو أهل المريض أو الطاقم الطبي أو التمريضي لعدم تشجيع المريض لإجراء العملية وإعطاء معلومات غير دقيقة عن مستوى تقديم العلاج في المستشفى أو التشكيك في قدرة الجراح في إجراء مثل هذه العمليات، بالإضافة إلى محاولات قد تبديها مراكز تتاجر بالأعضاء في الدول المجاورة وتحاول أن تشوه سمعة المستشفيات والعاملين في برامج لا تتاجر بالأعضاء مثلها.

- كيف يمكن معالجة هذه العقبات وإنجاح البرنامج من جديد:

من الناحية التقنية - توفير حجر العمليات في أي وقت، على أن تكون هذه الغرف مهيئة لإجراء العمليات في أسرع وقت ممكن وتوفير الطاقم التمريضي وطاقم التخدير، كذلك الاستعداد للحضور في أي وقت لإجراء العمليات، وبناء على ذلك يجب أن تكون جميع دوائر المستشفى من مختبرات ودائرة الأشعة جاهزة لتقديم خدماتها في أي وقت، ومجمع السلمانية الطبي مهيء لمثل هذه المتطلبات لإنجاح البرنامج مع تقديم تعويضات وحوافز للعاملين عند قيامهم بهذه المهمات حينما يتواجدون بعد الدوام الرسمي وكذلك العمل على توفير حوافز تشجيعية ومالية لأهل المتوفى دماغيا عند موافقتهم على التبرع بأعضاء متوفيهم.

ولتحقيق هذا الأمر نحن في حاجة لأربع أسس:

أولا: وجود قيادة جادة لتطبيق هذا البرنامج لينهض بهذه المستويات، وبناء على ذلك فإن وجود الجراحين القادرين على تطبيق هذا البرنامج ولإثبات نجاحهم، عليهم أن يحققوا نتائج نجاح باهرة وخصوصا في الحالات الأولى لتطبيق البرنامج، كما يجب التركيز على أن هذه النجاحات الأولية ضرورية لكسب ثقة المرضى الآخرين والمسئولين في المستشفى.

وبعدها ثقة المجتمع، وهذا ما حصل في بدايات تطبيق هذا البرنامج في تسعينيات القرن الماضي في مجمع السلمانية الطبي. ويجب تبني هذه النجاحات والعمل على استثمارها للاستمرار في النجاح من قبل أي طاقم جراحي يتصدى لهذه المسئولية.

ثانيا: التدريب المستمر والحصول على هذا التدريب لجميع المتصدين للعناية بالمرضى من جراحين وأطباء تخدير ومناعة، فقد بدأنا في البحرين بإجراء العمليات بواسطة الجراحة العادية لاستئصال الكلى من المتبرعين وحاليا تجرى هذه العمليات وبنجاح لا يقل عن استئصال الكلى بالطريقة العادية باستخدام المناظير، وإجراء هذه العمليات تحتاج إلى تدريب أو استقدام جراحين ذوي خبرة في هذا المجال كما هو الحال في مجمع السلمانية الطبي حيث يستدعى جراحون من الكويت، أمثال الطبيب عدنان صادق للمساعدة في إجراء هذه العمليات ويجب تعويض هؤلاء الجراحين الذين يستدعون من خارج البحرين ماليا وتوفير السكن اللائق بهم خلال تواجدهم في البحرين للمساعدة في إجراء مثل هذه العمليات.

ثالثا: وجود طاقم تمريضي واجتماعي Social worker - مهمته توفير الأعضاء التي يراد زرعها سواء من المتوفين دماغيا أو المتبرعين الأحياء، علما أن وجود مثل هذا الطاقم يعد العمود الفقري لإجراء هذه العمليات، لأن توفير هذه الأعضاء هو السبب في نقلها، وإن عدم وجودها يعني فشل برنامج زراعة الأعضاء No organ no transplant.

رابعا: تشكيل فريق اجتماعي متخصص في موضوع زراعة الأعضاء وفريقين أحدهما قانوني والآخر متخصص في التشريع في مجال زراعة الأعضاء، لأن وجود هذه الفرق مهم لإنجاح مشروع زراعة الأعضاء في اي مكان كان، من خلال التصدي للأمور القانونية والشرعية والعمل على إمكانية حلها بسرعة.

والآن لنبحث بالتفصيل في هذه النقاط الأربع ونحاول أن نربطها بالتطور الحاصل في مشروع زراعة الأعضاء في مجمع السلمانية الطبي.

1 - القيادة: وهي موجودة متمثلة في الجراح صادق عبدالله ويساعده الفريق الطبي في دائرة أمراض وزراعة الكلى، وما يحتاجه هذا الفريق هو تنظيم اجتماعات أسبوعية مع بقية العاملين في هذا المجال من طاقم تمريضي واجتماعي، وتكون هذه الاجتماعات موثقة لدراسة احتياجات البرنامج ودراسة حالات المرضى والمتبرعين وكذلك يجب العمل على وجود جراح آخر ذي خبرة وفي مستوى استشاري ليساعد في إجراء هذه العمليات.

2 - التدريب المستمر: وقد سعت له لجنة زراعة الأعضاء في بداية تطوره وقد تم ابتعاث عدة ممرضات وممرضين وكذلك أطباء لدورات تدريبية في مراكز زراعة الأعضاء المتقدمة مثل أسبانيا وبيروت والكويت والمملكة العربية السعودية، وللأسف فقد تبعثر شمل هؤلاء عندما لم يتلق المشروع أو برنامج زراعة الأعضاء الدعم اللازم اإداري واللوجستي من قبل الإدارة والمسئولين ومن أعلى المستويات في مجمع السلمانية الطبي - ووزارة الصحة منذ سنة 2000م.

3 - عند بداية المشروع وبدء تطبيق برنامج زراعة الأعضاء عام 1995م وضعت الأسس لتدريب طاقم من الممرضات للتدريب على كيفية الحصول على الأعضاء من المتبرعين الأحياء وتم تعيين ممرضين لهذا الغرض، وكان الهدف تطوير هذا الجهاز ليشابه الموجود في الولايات المتحدة (UNOS) «United Network for organ sharing»، وكذلك مثيله في المملكة العربية السعودية (SCOT) «Saudi center for organ transplantation»، هذه المؤسسات أو المراكز لها هدف هو دراسة كيفية الحصول على الأعضاء وكيفية توزيعها على المراكز المتخصصة في زراعة هذه الأعضاء في المستشفيات المختلفة حسب الحاجة لهذه الأعضاء، وقد تبعثر هذا الفريق كذلك ولابد من إعادة تفعيله لتحقيق هذه الأهداف:

1 - العمل على الاتصال بمراكز زراعة الأعضاء في المنطقة كالمركز السعودي لزراعة الأعضاء، ومركز العيسى لزراعة الأعضاء في الكويت، وكذلك الاتصال بالمراكز المتخصصة في تقديم العناية القصوى للمرضى في المستشفيات المختلفة في البحرين لرصد حالات المتوفين دماغيا ومن ثم الاستفادة من أعضاء هؤلاء المتوفين.

2 - العمل على الاتصال بأهل المتوفى دماغيا داخل المملكة وخارجها لإقناعهم بعملية التبرع ويحتاج هذا الفريق إلى أن يكون على اتصال مباشر بالفريق القانوني ورجال الشريعة للمساهمة في عملية الإقناع وكذلك تقديم هدية لأهل المتوفى في حالة موافقتهم على التبرع.

3 - العمل في حالة موافقة المتبرع الحي أو أهل المتوفين دماغيا على إجراء الفحوصات السريعة واللازمة والحيوية للتأكد من خلو هذه الأعضاء من الأمراض المعدية وإجراء فحوصات الأنسجة والتحاليل الأخرى الضرورية لمناسبة هذا العضو لجسم الملتقي المريض.

كانت هذه الفرق طور التكون خلال إنشاء برنامج زراعة الأعضاء في البحرين، واستمرت منذ 1995م حتى نهاية 2000 م وبعد ذلك تم وأد هذا البرنامج نتيجة التغيرات الإدارية المستمرة وفي أعلى المستويات خلال العشر السنوات الماضية في وزارة الصحة، وإن إعادة إحيائها ممكن إذا توافرت النظرة الإستراتيجية والخطط المستقبلية لإنجاح مثل هذا البرنامج في إدارة الوزارة.

إقرأ أيضا لـ "أحمد سالم العريض"

العدد 2386 - الأربعاء 18 مارس 2009م الموافق 21 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً