على رغم انتماء كل من اليابان والعالم الإسلامي لحضارة الشرق إلا أنهما مختلفان إلى حد كبير ليس في تاريخهما الماضي بل في أوضاعهما في الحاضر وفي منهج التفكير لدى كل منهما. فاليابان تمثل دولة واحدة صغيرة المساحة محدودة الإمكانات الطبيعية، ولكنها استطاعت بفضل قياداتها منذ إصلاح الميجي العام 1866 أن تتحول إلى دولة صناعية متطورة هزمت روسيا القيصرية الأوروبية، ولذلك ابتهجت الشعوب العربية والإسلامية لما اعتبرته انتصارا للشرق على الغرب الاستعماري وكتب شعراء وأدباء وعلماء سياسة من الدول العربية وغيرها يؤرخون بحادثة العام 1904 وهزيمة روسا أمام اليابان، باعتبارها علامة فارقة في تاريخ البشرية المعاصر بأن التخلف والاستبداد ليس حكرا على الشرق وليس أبديا أو قضاء محتوما، وأن التقدم والمدنية والديمقراطية ليست حكرا على الغرب أي أوروبا، وإنما هناك أساليب ومناهج يمكن أن تغير أحوال الدول من التخلف إلى التقدم ومن الضعف إلى القوة وأن النموذج الياباني خير دلالة على ذلك.
وصار الزمن مسيرته بين مد وجزر سواء في اليابان أو في المنطقة العربية حتى درجة قوة العرب في نصر أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وارتفاع أسعار النفط، وفرض العرب حظرا جزئيا، وهنا شعرت اليابان بأن عليها أن تعيد النظر في بعض سلوكها السياسي الخارجي، وفي نظرتها للدول العربية وقضاياهم العادلة وبخاصة قضية فلسطين.
وبدأ الانفتاح الياباني على الشرق الأوسط وبخاصة على الحضارتين العربية والإسلامية وزارت وفود يابانية مهمة السعودية والكويت والعراق ومصر وإيران ساعية للحصول على النفط والتأييد السياسي مقابل تفهمها للقضايا العربية وخاصة قضية فلسطين وتعاونها التكنولوجي والعلمي والصناعي مع الدول العربية. لم تكن المفاوضات بين الطرفين سهلة فاليابان لم تكن معتادة على سياسة التفاوض والحوار مع الآخر، كما أنها كانت أسيرة علاقاتها مع الولايات المتحدة التي هددتها بعدم الانسياق في مواقفها المؤيدة لفلسطين ومن ثم تراجعت اليابان في مواقفها السياسية التي كانت محدودة في البداية، ولكنها اعتبر تغيرا جوهريا في توجهاتها وأثرت تهديدات هنري كيسنجر في الموقف الياباني، ومن ناحية أخرى فقد تلكأت اليابان في تعاونها الصناعي والتكنولوجي مع الدول العربية بعد أن أعطت وعودا بذلك، وساعدها على التراجع الموقف العربي الودي - هذا مفارقة - برفع الحظر النفطي عن اليابان بل وبعد ذلك عن العالم بأسره.
وأثر انهيار الاتحاد السوفياتي وكتلته الاشتراكية وبروز ظاهرة الإرهاب الدولي وتطور الصناعة اليابانية وحاجتها لمزيد من النفط ومزيد من الأسواق واجتذاب الأموال العالمية، وأيضا للحصول على تأييد دولي من دول العالم مع خروج اليابان العملاق الاقتصادي والسعي لتحوله لعملاق سياسي، فكان على اليابان أن تسعى لمزيد من التفاهم والفهم العربي. وجاءت مبادرة وزير خارجية اليابان السابق كونو للحوار الياباني الإسلامي والتي التقطها وزير خارجية البحرين المخضرم الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وهكذا انطلق الحوار الياباني الإسلامي بمبادرة وتحت رعاية دولتي اليابان والبحرين وعقدت 6 جولات في المنامة وطوكيو وطهران وتونس وطوكيو والرياض والكويت.
حرصت اليابان أن يكون الحوار مغلقا وقاصرا على نخبة من المثقفين ولا يخرج بأية توصيات وسعت البحرين لفتح الحوار ولو في الجلسة الافتتاحية ولذلك كانت جولة المنامة مفتوحة في الجلسة الافتتاحية ومغلقة وقاصرة على عدد محدود من المثقفين لم يزد على 25 باحثا، وأصدروا توصيات عامة محدودة. ولكن جولتي طوكيو الأولى والثانية ثم جولات طهران وتونس لم يصدر عنها أية توصيات إلا أن الدول المضيفة أفسحت المجال للإعلام ليغطي الحدث ولكثير من المثقفين للمشاركة فيه وخاصة من الدول المضيفة. وجولة الرياض أصدرت بيانا ختاميا باسم إعلان الرياض والتقى جلالة خادم الحرمين الشريفين بالوفود المشاركة. أما جولتا طوكيو فلم تحظيا حتى بتغطية في صحافة اليابان واقتصرت على الافتتاح مع السماح بتواجد بعض السفراء الأجانب.
في هذا الإطار كله جاءت الجولة السابعة في الكويت بدعوة كريمة من وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية وتحت رعاية سمو ولي العهد الكويتي. ولقد تميزت دورة الكويت التي عقدت يومي 11 - 12 مارس/ آذار 2009 بعدة سمات خاصة:
الأولى: إنها تحت رعاية سمو ولي العهد الذي أناب عنه وزير الأوقاف والشئون الإسلامية لإلقاء كلمة الافتتاح.
الثانية: إنها اختارت موضوعا مهما للعالم بأسره وهو موضوع «البيئة: تحديات ورؤى» ولعل هذا الاختيار كان موفقا بالغ التوفيق، فالبيئة هي أخطر التحديات التي تواجه العالم ولا تزال لم تلقَ ما تستحق من الاهتمام على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية. فالدول المتقدمة لا تزال لم تلتزم ببروتوكول كيوتو والدول النامية لا تزال تغلب مسألة التنمية على البيئة.
الثالثة: حضور مكثف للعلماء والخبراء من الكويت ومن الكثير من الدول الإسلامية واليابان التي حضر منها 25 باحثا وخبيرا.
الرابعة: جلسات حوارية مكثفة منذ التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساء وكثرة المتحدثين في كل جلسة مما أثر في محدودية الوقت المتاح للحوار والتفاعل من المشاركين في القاعة.
الخامسة: كرم الضيافة والوفادة من قبل المسئولين الكويتيين وحسن المعاملة ففي جولات حوارية أخرى ذهبنا إليها لم يستقبلنا أحد من الدول المضيفة ولم تقدم أية ضيافة سوى ضيافة محدودة لعدد من الباحثين الذين قدموا أبحاثا وفي جولة بدولة أخرى لم يقدم شيء على الإطلاق حتى ولا عشاء لتكريم الضيوف. ولذلك فالشكر كل الشكر لدولة الكويت ومسئوليها على كرم الضيافة وحسن الاستقبال والتوديع والاهتمام طوال مدة المؤتمر.
السادسة: صدر عن المؤتمر إعلان ختامي وتوصيات أكثر تفصيلا وتحديدا مما صدر عن جولتي المنامة والرياض وركز على قضايا البيئة والحوار والتواصل الثقافي والإعلامي.
السابعة: كان الوفد الياباني أكثر تنظيما من وفود الدول الإسلامية فقد كان لكل منهم دور مرسوم وواضح، أما الباحثون والمشاركون من الدول الإسلامية فكان كل منهم - ما عدا الدولة المضيفة - لا يعرف الآخر ويتصرف وفقا لمقتضيات اللحظة ومن دون تنسيق ومع هذا كان النقاش والندوة بالغة الإيجابية ولعل ذلك مرجعه إلى أن الدول الإسلامية أو بالأحرى الخبراء منها لديهم وحدة فكرية تجمعهم من دون حاجة لتنسيق سابق. فالوحدة الإسلامية حقيقة ثقافية وحضارية وإن لم تتحول إلى وحدة سياسية أو عمل سياسي موحد لاتساع رقعة العالم الإسلامي وتنوع حضارات وتراث الدول التي احتضنت الإسلام دينا قيما.
الثامنة: إن الأوراق البحثية التي قدمت في الندوة تميزت بالعمق في البحث العلمي واستدعاء التراث الإسلامي أو استدعاء التراث البوذي الياباني ولكن كانت الأوراق محدودة في تركيزها على الحاضر أو في نظرتها للمستقبل ولعل ذلك ما سعت التوصيات لتلافيه بالتحدث عن المستقبل.
التاسعة: تحية لوفد البحرين ممثلا في وزارة الخارجية ومركز البحرين للدراسات والبحوث على المساهمات التي قدمتها والنشاط الذي أبداه في الاجتماعات وفي لجنة صياغة التوصيات والمطبوعات التي وزعها على المشاركين وعلى حرصه على إبراز دور البحرين كراعٍ للمبادرة الخاصة بالحوار الياباني الإسلامي.
وختاما نقول إن الندوة السابعة للحوار الياباني الإسلامي في الكويت تمثل نقلة نوعية في منهج الحوار وقضاياه وفي نتائجه وتوصياته حيث كانت محاور النقاش في الجولات السابقة ذات صبغة نظرية وفلسفية وهي مع أهميتها لا تمس حياة المواطن العادي ولا تقدم مجالا حيويا فاعلا لتعزيز العلاقات بين اليابان والدول الإسلامية في المجال العملي.
أما قضية البيئة فهي إحدى قضايا العصر في القرن الحادي والعشرين جنبا إلى جنب مع قضايا حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2384 - الإثنين 16 مارس 2009م الموافق 19 ربيع الاول 1430هـ