من السهل إطلاق الحكم على الشباب بأنهم عابثون بالأمن ومخربون، وبالتالي يجب ردعهم وزجرهم بمختلف الوسائل الأمنية الممكنة، ومن اليسير على أي كاتب صحافي أن يفتتح عموده بالمطالبة بتطبيق حزمة من قوانين التجمعات والمسيرات والإرهاب والعقوبات على هذه الفئة، وهنا لا أبرر حرق الإطارات والحاويات ولا أعتقد أنها فعل قويم يستحق الإشادة، إذ إن التعرض للممتلكات العامة وقطع الطريق على الآخرين يعود ضرره على الجميع بلا استثناء، وهو فعل يرفضه كل عاقل، ولكن لا أجد أن هناك وقفة مع هذه الحالات لمعرفة الأسباب التي تدفعها لممارسة مثل هذه الأفعال.
لا شك أن الفراغ وغياب البرامج التي تجتذب الشباب وتساعدهم على تفريغ الشحنات الكبيرة المختزنة في داخلهم هي مشكلة أساسية في هذا الموضع، فواقع ممارسة الجهات الرسمية لدورها الحقيقي مغاير تماما للتوجيهات الملكية الداعية إلى توفير كل الإمكانات لتفريغ طاقات الشباب والكشف عن مواهبهم وإبداعاتهم، بل لا توجد وزارة أو جهة حكومية حتى الآن تحركت لترجمة توصيات الاستراتيجية الوطنية للشباب إلى أفعال ملموسة، ولا يبدو أن برلمان الشباب سيبصر النور قريبا بل ربما تم تشييعه وأصبح غيابه من المُسلمات.
أما الجمعيات الشبابية التي من المفترض أن تكون النواة الحقيقية لخلق شخصيات قيادية واعدة يعول عليها الوطن في حاضره ومستقبله، فنشاطاتها وفعالياتها وبرامجها قائمة على مجهودات مقيدة بمصادر دعم محدودة، فمرتكزها الأساسي هو الدعم المالي الذي تحصل عليه مقابل كل مشروع تقدمه إلى وزارة التنمية الاجتماعية.
وفي الغالب لا يمكن لهذا المبلغ تغطية باقي المصروفات، ومن ضمنها إيجار المقر البالغ 1200 دينار سنويا، وفواتير الهاتف والكهرباء والماء وراتب موظفة السكرتارية، خلافا للمستلزمات المكتبية التي تتطلبها اجتماعات مجلس الإدارة والندوات والمحاضرات الشبابية طوال العام، فينتهي المطاف بهذه الجمعيات إما إلى فرض رسوم اشتراكات على أعضائها الذين هم في الأساس طلبة جامعات ولا يعمل منهم إلا القلة أو انتظار دعم بعض المؤسسات والشركات الخاصة.
أما الأحياء والمناطق السكنية فوضعها ليس أحسن حالا، فلا يوجد بها سوى ساحات شعبية تم توفيرها بناء على مطالب الأهالي الذين يرون في لعب كرة القدم وممارسة الهوايات الرياضية الأخرى، وسيلة أكثر أمانا من ترك أبنائهم فريسة لمدمني المخدرات والمجرمين أو البحث عن أية ممارسات غير أخلاقية قد يوفرها هذا المكان أو ذاك.
ولا ننسى أنه في أكثر من محفل رياضي عربي ودولي علا اسم البحرين بسواعد شابة تم استثمار طاقاتها الحقيقية لتوليد إبداع فريد من نوعه في مختلف الألعاب الجماعية والفردية، بينما مدينة نموذجية باتساع مدينة حمد التي تحتوي على 22 دوارا ويسكنها أكثر من 80 ألف نسمة، لا يوجد بها أي نادي نموذجي، وجل أبنائها يمارسون هواياتهم في أندية بعيدة يقطعون من أجل الوصول إليها المسافات.
القوة ليست دائما حلا ناجعا لكل المشكلات التي تعاني منها الدولة، وخصوصا في تعاملها مع انفلات الشباب، وفي الوقت الذي نرفض فيه التهجم على رجال الأمن بالزجاجات الحارقة والحجارة وغيرها، فإننا أيضا لا نعتقد بأن إغراق مناطق بمسيلات الدموع واستخدام الرصاص المطاطي كفيل بردع الشباب وضبط سلوكياتهم العنيفة غير المقبولة.
ضخ الموازنات في إنشاء مشروعات تنموية تساهم في توظيف العاطلين عن العمل، وإقامة المراكز الثقافية والشبابية في القرى والمدن، ودعم الشباب لتأسيس شركات خاصة بهم يديرونها بأنفسهم كمشروع رواد العمل التطوعي الذي تبناه مجلس بلدي المنطقة الشمالية وعدد من رجال الأعمال، ويبدو أنه لم يكتب له أن يخرج إلى النور لوجود بعض العقبات، لهو أجدر من الاعتماد على شراء المعدات والتجهيزات لصد المناوشات هنا وهناك.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2383 - الأحد 15 مارس 2009م الموافق 18 ربيع الاول 1430هـ