العدد 2381 - الجمعة 13 مارس 2009م الموافق 16 ربيع الاول 1430هـ

الأزمة المالية العالمية تميل بموازين القوى لصالح بكين

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بينما يرزح العالم تحت ذيول الأزمة المالية العالمية، وفيما تهدد أعمدة الصناعة الأميركية بإقفال مصانع إنتاجها ما لم تنقذها المعونات التي وعدتها بها الحكومة، يقف رئيس وزراء الصين ون جيباو واثقا من اقتصاد بلاده، كي يعلن خلال مؤتمر صحفي عقد في أعقاب الانتهاء من أعمال الجلسة السنوية لمؤتمر الشعب الوطني (البرلمان)، قبل يومين إنه «يتوقع أن تنتعش الصين وباقي العالم اقتصاديا ابتداء من العام المقبل». وكأنه بذلك القول يلمح إلى أن انتشال العالم من أزمته بات اليوم، يعتمد على الاقتصاد الصيني، ولم يعد مرتهنا للدولار الأميركي. ثقة المسئول الصيني، في نفسه وفي اقتصاد بلده كانت واضحة حين قال «إن الثقة أهم من الذهب والمال، وإن الثقة تجلب الشجاعة والقوة لتجاوز الصعاب».

أقوال المسئول الصيني ليست ادعاءات خاوية ترضي غرور الإدارة الصينية، بقدر ماهي انعكاس طبيعي لما يتمتع به الاقتصاد الصيني من عناصر صحة ومتانة بات يعترف له بها الكثير من خبراء ماليين، ومسئولين دوليين لا يربطهم بالصين أي شكل من أشكال العلاقة. فها هو جفري ساكس، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون، يؤكد في أكثر من مناسبة «إن للصين القدرة على قيادة العالم وإخراجه من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وذلك بفضل احتياطيها الضخم من العملة الأجنبية وفائضها التجاري الكبير واستثماراتها الواسعة حول العالم». بل إن ساكس، وكما نقلت عنه رويترز من دار السلام حيث تعقد إحدى مؤتمرات صندوق النقد الدولي يتمنى «أن تتمكن الصين من قيادة العالم وإخراجه من هذه الأزمة «

يشارك ساكس أيضا مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الموثوق بها، والتي نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية أقوالهم التي تتمحور حول نقطة جوهرية واحدة هي أن «مفتاح حل الأزمة المالية التي يمر بها النظام المصرفي في الدول الغربية قد يكون بيد الصين التي تمتلك احتياطيات من العملة الصعبة تتجاوز تريليوني دولار».

واشنطن، بعد أن تحولت إلى ما يشبه الرهينة في يد بكين نظرا لتراكم الديون الصينية، التي باتت تربو على مئات البلايين من الدولارات، لاتكف عن اللجوء إلى مختلف أشكال الضغوط، ولي الأيادي من أجل دفع بكين لتقديم المزيد من التنازلات والقبول بتحمل دور مشاركة أكبر في حل الأزمة، ولذلك نراها وفي مراحل مبكرة من عمر الأزمة، وتحديدا في العام 2007، تستعين بمنظمة التجارة العالمية، كي ترفع ورقة «مخالفة بكين لقوانين وأنظمة الملكية الفكرية»، مهددة بكين، كما جاء على لسان الممثلة التجارية الأميركية سوزان شواب «إن مستويات التزييف والقرصنة في الصين لا تزال مرتفعة بشكل غير مقبول»، ملمحة بأنه ، ونتيجة لذلك تخسر «الشركات والعمال الأميركيين بلايين الدولارات سنويا، مما يضر بشكل خطير مصالح المستهلكين في الصين وفي الولايات المتحدة وحول العالم».

الموقف الصيني في غاية الوضوح، وبقدر ما هو راغب في المشاركة في تحمل حصته الطبيعية لمواجهة الأزمة العالمية، ويبدي استعداده لبحث سبل تفادي اتساع نطاقها، لكنه في الوقت ذاته، لا يرى أية عدالة في أن يكون ذلك على حساب مسئولياته الداخلية، تجاه اقتصاده المتأثر بالأزمة أيضا، من جهة، أو أن يكون ذلك بديلا لتحمل العواصم الغربية، وفي مقدمتها واشنطن مسئوليتها من جهة ثانية. كان ذلك واضحا في كلمة نائب رئيس البنك المركزي الصيني يي جانج، أمام المشاركين اجتماعات مجموعة العشرين في العاصمة الأميركية واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2008، حين طالب البنك الدولي بالضغط على الدول الغنية، والتي هي الدول الغربية بطبيعة الحال كي «تتحمل مسئولياتها وضمان استقرار الاقتصاد العالمي».

كذلك تحاول الصين أن يتفهم العالم، أنه رغم كل مظاهر التعافي التي يتمتع بها اقتصادها، ورغم تنامي الحديث عن كونها ستصبح بحلول العام 2010 ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان، محتلة بذلك موقع الاقتصاد الألماني، لكن ذلك، وكما يؤكد عليه رئيس الوزراء الصيني ون جياباو لا ينفي أن الصين «حتى لو تجاوزت الأرقام الصينية تلك الألمانية مازال الاقتصاد الصيني اقتصادا ناميا، وعلى الأخص فيما يتعلق بتوزيع إجمالي النتاج القومي على عدد السكان، فهو مازال منخفضا جدا».

علينا أن نقرأ تصريحات المسئول الصيني واضعين أمامنا تقرير مركز الأبحاث الصيني حول التنمية الذي يؤكد، بناء على أرقام دقيقة أنه بحلول العام 2010 «يفترض أن يصل إجمالى الناتج المحلى للصين إلى نحو 2300 مليار دولار، وإجمالى الدخل المحلى للفرد إلى 1700 دولار» فى مقابل 1200 دولار حاليا». يضاف إلى ذلك ما جاء في تقرير للأكاديمية العلوم الصينية من أن «عدد سكان المدن فى الصين سيصل الى 1.1 مليار نسمة بحلول العام 2050 أى نحو 75% من العدد الإجمالى لسكان البلاد». من مقالة للدكتور غسان إبراهيم ( ).

أقوال المسئولين الصينيين، وأرقام مراكز أبحاثهم، تؤكد بما لايقبل الشك أن الصين تبحث عن دور على الصعيدين الإقليمي الآسيوي والدولي، وأنها ستمارس مستفيدة من الظروف التي باتت تتيحها لها الأزمة المالية العالمية. لكن ذلك لن يتم على حساب ترتيب أوضاعها الداخلية من جهة، ودون تحميل اقتصادها ما لا طاقة له به من جهة ثانية.

هذا ما يشير إليه بوضوح، المدرس في الجامعة الصينية في هونج كونج ويللي ليام، حين يقول بأن «موازين القوى في العالم تتغير والصينيون يشعرون بالارتياح إزاء هذا التغير دون المبالغة في الإعلان عن ذلك كما يرون أن الأزمة الحالية تؤكد سلامة نموذجهم الاقتصادي».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2381 - الجمعة 13 مارس 2009م الموافق 16 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً