العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ

ما يَشغلُ اللبنانيين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حتى وإن لم تتكرّر مجزرة «حلبا» ضد الحزب القومي السوري الاجتماعي في عكار -أو في غيرها من المُدن اللبنانية- فإنها ستبقى علامة فارقة في المشهد السياسي والجنائي اللبناني.

وخصوصا أن ممارسات القتل ومبضع الظلم فيها كانت ذئبية بكل المقاييس. فاستخدام السّكاكين والفؤوس إلى جانب البنادق هو في عينه تشفٍّ، يُذكرنا بما شهدته البرواقية ووهران وبن طلحة في الجزائر.

وإن كان الحدث المأساوي قد وقع على يدِ جماعات مكشوفة الجرم والنسب والانتماء، إلاّ أن ما يقضّ المضجع أكثر هو القتل بالاستنزاف من وراء جُدُر، ليبقى مؤشّر البوصلة غير قادر إلاّ على الإدراك وليس الوصف.

وهذه الأحداث مُجتمعة لا تحدث لإمراض خصم أمام خصمه عبر إنهاكه، بقدر ما هي تحدث بغرض قتل المشاريع التي تستوي على أصول اللعبة السياسية، والتي يُحقّق فيها أحد الأطراف نصرا في مرحلة من المراحل.

في أحوال كلبنان تُفسّر الأمور أكثر مما تستحق، أو حتى ما تستحقّه النصوص المُقدّسة. فحين تتوقف الماكينة التحريضية لوليد جنبلاط ضد خصومه يقلق القواتيون. وحين يتحاور حزب الله مع تيار المستقبل تهتزّ أكتاف الجميّل.

وحين يلتقي الطاشناق مع المستقبل تبدأ التفسيرات بما لا يجب قوله بحقّ الجنرال عون، أو حتى لما يربط هؤلاء بالنائب المُرّ، أو الأخير بتحالفاته الأصلية أو الطارئة. وربما تزيد حساسية ذلك لاقتراب البلد من انتخابات نيابية حاسمة.

حين يسترق السمع أي أحدٍ منا لما يجري في بلاد الأرز سيجد أن هامشا من المحاكاة بين ما يجري في الداخل والخارج تصيغ شكل العلاقات القائمة. فحين يُصبح هناك تقارب غربي سوري نجد أن البعض يُكرَه على إعادة تموضعه في أزقّة السياسة المخالفة.

في حين يذهب البعض إلى تعيير مثل هذه التوجّهات السياسية لدى دول «ميكيافيليّة» باعتبار أنها تخون ثوابت الدعم الواجب لأطراف بعينها في المنطقة ضد القوى المتطرفة «سياسيا» و»دينيا»!.

ويزداد الأمر تأزّما حين تُعاد علاقة أحد أطراف المعادلة اللبنانية «السياسية» مع قوى عظمى كما جرى بين بريطانيا وحزب الله قبل أيام، باعتبار الأخير «جزءا مهما من التركيبة اللبنانية». فهذا الإعلان ربما يعيد النظر في الكثير من العلاقات البيبية ضمن مستواه المدني.

وهذا الدَّيدَن في الداخل السياسي هو لبناني قبل أن يكون متسقا مع المبادئ العامة للسياسة الدولية وأدبياتها. فلبنان كان يتمنطق على نمطية هذا الطراز منذ المُحددات التي رسمت علاقة العثمانيين مع ملوك فرنسا في العام 1535.

ضمن هذا الجو وباختصار شديد يكون الخيار أمام المُناكفين هو أحد أمرين: إما التسليم والمُشاركة ومغادرة التصريحات الحريرية ضد حكومة تُؤلّفها المعارضة. أو التكسّب عن طريق توريط هذا التقارب في مستنقع الدم ثم التباكي على الضحيّة.

وهو ما يعني جرّ المواطن اللبناني إلى تفاصيل الهمّ اليومي بكل ما فيه من قذارة السياسة. لأنه سيكون مباحا لأولئك في حاضره ومستقبله وحياته. ويكون التندّر باتفاق الدوحة أو حوار الأطراف نُكتة الموسم التي تُقال أمام جثث الضحايا في الشوارع، كما حدث بالضبط في أحداث الجامعة وعرمون والهجوم على العونيين في كليّة الآداب.

وهنا يُطرح الإشكال ذاته. فإذا كانت الأكثريّة التي تتظاهر بالخشية على مستقبل الدولة، فما هو الضامن لعدم استخدام هذه الأطراف للدولة وإمكانياتها في مواجهة الخصوم، سواء عبر قوّتها أو عبر نسيج علاقاتها بالخارج كما هو الحال لتيار المستقبل على سبيل المثال؟!

لذلك فإن المهم اليوم في لبنان هو ترويض الحالة السياسية لكي تستوعب مشاريع الطوائف الدينية والسياسية معا، ثم الانتقال إلى تسكين ذلك على أفقية الدولة التي من شأنها تحمّل الجميع من أجل الجميع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً