مسرحية «حيرة السجين»، لأحد كبار دعاة المسرح السياسي منذ العام 1968، البريطاني، ديفيد إدغار، تطرح قضايا القبلية العالمية، وتدور حول دبلوماسي فنلندي قام بدور حاسم في مفاوضات السلام بين «الإرهابيين» و«مضطهدي» جمهورية سوفياتية سابقة وهمية، يناضل مسلموها من أجل الاستقلال. المسرحية سبقت صدمة العالم بـ11 سبتمبر/ أيلول 2001.
مفهوم «القبلية العالمية» قبل 11 سبتمبر، كان حاضرا وماثلا؛ لكنه من دون شك أصبح أكثر عمقا، وذهبت به المذاهب في الرؤية والتفسير والنظر، وخصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة؛ بهيمنة قطب واحد وظَّف تلك الهيمنة لإحداث تقسيم معمَّق عماده الفرْز في حقيقة ذلك المفهوم. تقسيم قائم على: مع/ضد، فالـ «مع» تُدخل أية قبيلة في العالم، وإن كانت في المجاهل من الحدود والأثر والدور، في عملية مصاهرة مع قبيلة وإن كانت على النقيض من تلك المجاهل والحدود والأثر والدور؛ إذ تلتقي -ولو ظاهريا- المستنقعات المليئة بالكوليرا في دول العالم الثالث بـ «سكوير غاردن»، والشوارع المليئة بالشحاذين والمخمورين والمشردين، بوسطاء «وول ستريت»، والذين يتلقون تعليمهم البدائي في ظل شجرة «غاف» في معسكر على حدودٍ ما من العالم، مع الذين يتلقون تعليمهم على مقاعد الدراسة في جامعات: «هارفارد»، «برنستون»، «يال»، «MIT»، «كولومبيا»، «أكسفورد»، «كامبريدج» و«السوربون». أقول ظاهريا ضمن التوصيف النفعي لـ «مع»، تلتقي تلك القبائل ما دامت تصبُّ في هدف إخضاع العالم بقبائله إلى قبيلة القطب الواحد وإرادته وأهدافه ومراميه.
الخبرة المحدودة للولايات المتحدة الأميركية في التعامل مع الإرهاب في الداخل، من المفترض بها أن تمنح الساسة الأميركيين وحتى المحللين والباحثين وخبراء الاستراتيجيا، فرصة الانتباه إلى أن الخبرة المحدودة تلك، على رغم تماسك البنية الداخلية (ظاهريا) وتنوعها، بتعدُّد الأعراق، وتعامل الدولة معه ضمن مظلة المواطنة احتكاما إلى الدستور، فرصة للانتباه إلى أن تعدُّدا في القبلية تلك طال الداخل الأميركي. تعدُّدا بالتباين في الاستقبال والإرسال؛ وبالتالي ثمة رد فعل متربص في الخارج بالداخل الأميركي بحكم ميراث وتركة ضخمة من الاستبداد الكوني الممنهج الذي مارسته أميركا على امتداد الكوكب، سيأتي يوم دفع استحقاقها طال الزمن أم قصر! رد فعل سيكون عنوانا عريضا سيتم إعادة صوغه وتسويقه إلى العالم باعتباره «إرهابا» سيطال «القبلية العالمية»، ولن يقتصر على أميركا وحدها. هكذا تم تصوير الأمر -ولايزال- في مفارقة عجيبة تسعى من جهة إلى تقسيم الدول/ السياسات إلى قبائل، وفي الوقت نفسه، محاولة احتواء واستقطاب قبائل (سياسات) العالم، وإدخالها ضمن منظومة قبلية عالمية تتولى أميركا مشيختها العامة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ