في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي ظهرت رموز شيعية متصوفة، لا نعلم عددهم أو مدى انتشارهم، ويرجح جان كول في بحثه عن الشيعة الأمامية في البحرين (1300م - 1800م) أنه في تلك الحقبة كانت أعداد الرموز الدينية الشيعية الغير متصوفة أكثر بكثير من الأقطاب وهم قيادات المجموعات الصوفية. إلا أن النقوشات التي عثر عليها في البحرين والتي يعود تاريخها لنهاية القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر أن الشيعة المتصوفة في البحرين تبوأوا مكانة كبيرة ربما وصلت لاستلامهم دفة الحكم في البحرين.
لدفيك كالوس في كتابه عن النقوشات الإسلامية في البحرين يلاحظ ظهور لقب «السيد» و «الشريف» متزامن لفترة ظهور الجماعات الشيعية المتصوفة، وكل ذلك متزامن للهجرة الهاشمية للسادة العلويين الشيعة من حضرموت لمناطق مختلفة في العالم. تلك المعطيات أدت لاستنتاج أن جزءا من تلك الجماعات هاجرت واستقرت في البحرين، وبذلك يزداد التأثير الشيعي الصوفي في البحرين.
تم العثور على عدد من القبور نقش عليه ألقاب خاصة بالجماعات الصوفية، وعليه تم استنتاج أن هؤلاء من الشيعة المتصوفة، ومن بعض الألقاب المرتبطة بهم لربما يكون لهم مكانة كبيرة في البحرين ربما تكون إدارة الحكم في البحرين. هذه الأسماء كالتالي:
- المبارك المعلم المعظم قدوة فلاح
عثر على هذا الاسم في نقش لتأسيس مسجد في البحرين حيث أمر قدوة فلاح ببنائه في العام 804 هجرية (1402م) وجاء في النقش:
(1) (قال الله تبارك و تعالى «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر» وقال محمد النبي عليه السلام «من بنى مسجدا بنى الله له ألف بيت في الجنة وبقى... هذا المسجد الشريف المبارك المعلم المعظم قدوة... فلاح بن... في شهر شعبان سنة أربع و ثمانمئة الهجرية المحمدية)
- الصاحب المعظم قطب دائرة الضوء الأعظم محمد بن علي
عثر على قبر في المقبرة المحيطة بمسجد الخميس يرجح أنه يعود للقرن الخامس عشر الميلادي نقش عليه التالي:
(1) كان تاريخ وفاة المرحوم المغفور السعيد الصاحب المعظم قطب دائرة الضوء؟... شمس الملة والدنيا والدين محمد بن علي بن عيسى بن علي بن؟...
(3) عليهم الرحمة والغفران في... عشرين شعبان .....
(4) بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك
(5) فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر ويتم نعمته
(6) عليك و يهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا
- المولى السعيد قدوة أعاظم السادات والأشراف عبد العزيز بن إبراهيم
عثر على قبر في المقبرة المحيطة بمسجد الخميس يرجح أنه يعود للقرن الخامس عشر الميلادي نقش عليه التالي:
(1) ... يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا
(2) ... إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، كل من عليها فان
(3) توفي المولى السعيد المرحوم قدوة أعاظم السادات والأشراف عز الملة والحق والدين عبدالعزيز بن إبراهيم بن صالح طاب ثراه
(4) بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا... (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك نعمته ويهديك)
(5) صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا جنات عدن يدخلونها و (من صلح) ...
ما يميز تلك النقوشات هي وجود مصطلحات درجت الجماعات الشيعية المتصوفة (وكذلك المتصوفين اللاحقين بصورة عامة) على أستخدامها و هي : قطب أو قطب الدائرة والمعلم أو المعلم الأعظم وقدوة. وعليه رجح أن هذه الأفراد تنتمي لجماعات شيعية متصوفة.
بنو جروان والانفراج الديني للشيعة بنو جروان وهم من بني مالك أحد بطون عبدقيس وهم على مذهب أهل الببت عليهم السلام، يدلنا ذلك قول أحمد بن علي العسقلاني في «الدررالكامنة في أعيان المئة الثامنة» قال في ترجمة إبراهيم بن ناصر بن جروان: «إبراهيم بن ناصر بن جروان المالكي من بني مالك بطن من قريش، صاحب القطيف انتزع جده جروان الملك من سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة القرمطي في سنة 705هجرية، وحكم بلاد البحرين كلها، ثم لما مات قام ولده ناصر مقامه، ثم قام إبراهيم مقامه أبيه، وكان موجودا في العشرين وثماني مائة، وهم من كبار الروافض».
يعلق الدكتور حميدان في بحثه عن آل عصفور على مقالة العسقلاني قيرجح الدكتور حميدان أن بني جروان من مالك أحد فروع قبيلة عبد قيس وليسوا من بني مالك من قريش إلا أن، وكذلك يشكك في التاريخ 705 هجرية (أي 1305م) ويعتبروه خطأ مطبعي في النسخة، وكذلك لقب «القرمطي» فيقول عنه حميدان أنه قصد به أنه شيعي ففي هذه الحقبة لا يوجد قرامطة في البحرين. إلا أن هناك من أخذ بهذا التاريخ و بلقب القرمطي حرفيا، إلا أن الحقائق التاريخية لا ترجح ذلك. ويرجح أن بني جروان حكموا البحرين القديمة بما فيها جزر البحرين وذلك في بداية القرن الخامس عشر الميلادي حتى انتزع الحكم منهم من قبل بني جبر في العام 1487 ميلادية. ولم يكن حكم بنو جروان مستقلا بل خاضعا لحكم هرمز.
جزيرة البحرين وفي ظل حكم شيعي مباشر عادت للانتعاش الديني، ونصب عدد من العلماء الشيعة مناصب القضاة، و قد برز الشيخ أحمد بن المتوج في هذه الفترة وقد أعطي منصب رئيس الحسبة. و انتشرت المساجد ومراكز التعليم الدينية في البلاد و أنتعشت الحياة الفكرية الدينية. وفي هذه الفترة و بالتحديد العام 887 هجرية (1482م) تمت توسعت وترميم مسجد جمالة (الرفيع)، و قد عثر بالمسجد على نقش يوثق ذلك و نصه كالتالي:
(1) بسم الله الرحمن لرحيم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى
(2) الزكاة و لم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين أمر بإنشاء هذا الرواق المبارك
(3) وبتجديد هذا المسجد الشريف العبد الفقير إلى الله عبدالعزيز بن علي بن عبدالعزيز تقربا إلى الله
(4) تعالى في تاريخ شهر الله الأعظم رمضان سنة سبع وثمانين و ثمانمئة و صلى الله على محمد و آله.
في العام 1487م استطاع سيف بن زامل الجبري القضاء على آخر حكام بني جروان و بذلك يبدأ حكم بني جبر الذين يختلفون في المذهب مع شعب البحرين، فيا ترى ماذا سيحدث لدرجة الحرية المذهبية في البحرين؟
العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ