يتوالى مسلسل إفلاسات المؤسسات المالية في المزيد من الدول الغربية، فها هو البنك البريطاني «رويال بنك اوف سكوتلاند»، وهو ثاني أكبر البنوك البريطانية من حيث الحجم، يكشف عن خسائر باهضة، تعتبر أكبر خسارة في تاريخ البنوك والشركات البريطانية، حيث وصلت القيمة الصافية للخسائر خلال العام 2008 إلى 34 مليار دولار، بعد حصول المدير التنفيذي السابق للبنك فريد جودوين، والمسئول إلى حد بعيد عن تلك الخسارة، على راتب تقاعد بمبلغ مليون دولار سنويا مدى الحياة.
تبع «رويال بنك اوف سكوتلاند»، شركة بريطانية عتيدة أخرى، هي مجموعة لويدز المصرفية، التي تمتلك الحكومة البريطانية حوالي 43.5 في المئة من أسهمها بعد أن ضخت 17 مليار جنيه من الأموال العامة في المجموعة، بالكشف عن خسارة فادحة قدرت بمليارات الدولارات خلال العام 2008.
هذه المؤشرات على تدهور الاقتصاد البريطاني، تعكس في الكثير من جوانبها ما يعانيه الاقتصاد الأوروبي من أزمات اقتصادية خانقة، لكن الأهم من كل ذلك، هو استمرار تعثر الاقتصاد الأميركي، حتى بعد رحيل إدارة بوش، ومجيء إدارة أوباما الجديدة، التي وعدت «بالتغيير» وعلى وجه الخصوص في الجانب الاقتصادي.
ففي مطلع مارس/آذار 2009 أعلنت شركة إيه اي جي (AIG) الأميركية للتأمين عن خسائر جديدة «بقيمة 61.7 مليار دولار للأشهر الثلاثة الأخيرة من 2008، في أكبر خسارة ربع سنوية تسجلها الشركة في تاريخها». وكما ذكرت المصادر الإعلامية، «ستحصل الشركة على دعم مالي إضافي من الحكومة الأميركية بقيمة 30 مليار دولار كجزء من دفعة إنقاذ جديدة، وكانت الشركة قد حصلت على 150 مليار دولار كمساعدات مالية حكومية، وهي أكبر خطوة مساعدات تحصل عليها شركة حتى الآن». يتزاوج مع هذه الأزمة التي تبلورت في أسوأ صورها في صناعة السيارات الأميركية التي لاتكف عن التهديد بإغفال مصانعها وتوقيف إنتاجها ما لم تحصل على المزيد من المساعدات من الحكومة الأميركية، ارتفاع نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى معدل لها خلال ربع قرن، حسب البيانات التي أصدرتها الحكومة الأميركية قبل يومين، والتي حذرت من فقدان 651 ألف أميركي وظائفهم خلال شهر فبراير/شباط 2009، مما رفع نسبة البطالة بنصف في المئة لتصل إلى 8.1 في المئة. تزداد الأوضاع سواء عندما نقرأ أرقام الموازنة الأميركية الجديدة، التي أفصح عنها أوباما «والتي تضمنت عجزا كبيرا تزيد قيمته عن 1.75 تريليون دولار».
وكما يبدو فإن الإدارة الأميركية الجديدة، وهي الملمة بأوضاع الاقتصاد الغربي، بما فيه الاقتصاد الأميركي، قد وصلت إلى قناعة باستحالة قدرة الإمكانات الذاتية للاقتصاد الغربي أن ينتشل نفسه من الأزمة البنيوية التي يتخبط فيها، وأن يد الإنقاذ ينبغي أن تمتد من الشرق هذه المرة.
هذا الاعتقاد يفسر مسارعة الرئيس الأميركي باراك أوباما لحظة فوزه بكرسي الرئاسة، إلى الاتصال بنظيره الصيني هو جنتاو كي يسمع منه، وكما نقلت وكالة شينخوا الصينية الرسمية للأنباء «رغبة الصين في تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة من أجل مواجهة التباطؤ الاقتصادي العالمي، وتثمينها للجهود تبذلها الولايات المتحدة لدعم استقرار الأسواق المالية وتحفيز الاقتصاد». وكي يضمن أيضا حضور الصين قمة الدول الصناعية العشرين المزمع عقدها في العاصمة البريطانية لندن في شهر أبريل/نيسان 2009.
وكما ورد في صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية فإن في نية واشنطن أن تستعين ببكين بطلب يمكن أن يصل تقديم 500 مليار دولار لإنقاذ نظامها المالي. ولم يعد خافيا على أحد أن الصينيين، ومنذ عدة أعوام كانوا يضخون الكثير من السيولة في الاقتصاد الأميركي عن طريق شراء الديون الحكومية الأميركية. وقد ساعدت تلك المساعدات الحكومة الأميركية على أن يتجاوز إنفاقها ما تسمح به إمكاناتها التي تقلصت أيضا من جراء الأزمة الأخيرة.
ويبدو أنه لم يعد في وسع الرئيس الأميركي أن يتحمل أية مفاجآت غير متوقعة، ولذلك يتبع ذلك، وبعد أقل من شهر بإرسال زيرة خارجيته هيلاري كلينتون إلى بكين من أجل فتح حوار «استراتيجي واقتصادي» بينهما لحل «المشكلات الكبرى التي تواجه العالم كالأزمة الاقتصادية والتغير المناخي والتهديدات الأمنية».
وبادرت كلينتون إلى القول، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها الصيني، بأنهما يعتقدان أنهما وضعا «أساسا صلبا للعلاقات بين بلدينا، ولكن مازال أمامنا الكثير». وكما يبدو كان الهدف الرئيسي من تلك الزيارة، وكما رشح من المصادر الأميركية هو « طمأنة الجانب الصيني بأن استثماراته المالية الضخمة في سندات الخزينة الأميركية تعتبر اختيارا صائبا للمستقبل». وتقدر تلك الاستثمارات بما يزيد على تريليونين دولار، وهي التي وضعت الصين بديلا لبريطانيا كأكبر دائن للحكومة الأميركية، سابقة بذلك ألمانيا واليابان أيضا. كما أن بحوزة بكين احتياطيات من العملة الصعبة تتجاوز تريليوني دولار.
لكن كل ما يمكن أن يقال عن المظاهر الصحية التي يتمتع بها الاقتصاد الصيني، فلا ينبغي القفز على تحذيرات رئيس الوزراء الصيني وين جيابو في كلمته التي ألقاها أمام البرلمان الصيني في مطلع مارس/آذار 2009 وقال فيها صراحة بأن «بلاده ستواجه العام المقبل أكثر الأعوام صعوبة، في العصر الحديث بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية . وأن حكومته تخطط لبرنامج استثمارات بقيمة 500 مليار دولار لتحفيز الاقتصاد الصيني». وهذا ضع علامة استفهام كبيرة أمام قدرة الإعانات المالية والاستثمارية الصينية على انتشال واشنطن من أوحال أزمتها الاقتصادية التي تثبت الأحداث أنها ليست عارضة، وتحتاج إلى ما هو أكثر من سيولة مالية فحسب.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2376 - الأحد 08 مارس 2009م الموافق 11 ربيع الاول 1430هـ