يتحول اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 مارس/ آذار من كل عام إلى مناسبة دولية يجتهد خلالها، أنصار المرأة والحركات النسائية، من أجل تحويلها إلى تظاهرة تلقي المزيد من الأضواء على أحوال المرأة، وهمومها. هذا يشمل الإشادة بما انتزعته من حقوق، ومواصلة النضال في آن، لتحقيق المزيد من تلك المطالب المنصفة للمرأة وتقليص وطأة الظلم الذي ترزح تحته.
وفي هذا السياق يقرأ المرء ويطالع أو حتى يسمع ما يعكس ذلك من أمثال تبوء المرأة مناصب قيادية في هذا البلد أو ذاك، أو تزايد نسب مشاركتها في مشروعات التنمية، وعلى نفس المستوى نتلقى أخبار مطالبات جديدة من أجل رفع الحيف الواقع على المرأة من طراز مساواتها بالأجر عند إنجاز الأعمال ذاتها مع الرجل، أو حقها في التمتع بالحريات التي يتمتع بها شريكها الرجل.
كل هذه الأنشطة والفعاليات صحيحة بل ومطلوبة، وجميع تلك المطالب لها ما يبررها، طالما ما تزال المرأة أسيرة القيود التي فرضتها عليها ظروف مختلفة، لا يمكن إغفال مساهمة الرجل فيها، ولولاها ما نجحت المرأة أيضا في الوصول إلى ما وصلت إليه أو نيل ما نالته، رغم أن كل ما حقته لا يزال دون طموح أي حركة نسائية تناضل من أجل الوصول إلى مساواة الرحل بالمرأة. لكن، وفي غمرة النضال من أجل انتزاع المزيد من الحقوق النسائية، يغيب عن أذهان المخلصين لقضايا المرأة، من رجال ونساء، قضية نسائية في غاية الأهمية والتي هي، أن المرأة أولا وقبل كل شيء إنسان من لحم ودم لها شعور وأحاسيس تتفاعل من خلالها مع القضايا التي تواجهها كل يوم في مجتمعنا برجاله ونسائه.
وبعيدا عن المجردات، ودون التحليق في أوضاع النساء على المستوى العالمي، بوسعنا أن نطرق قضيتين أساسيتين محليتين لا تزال تعاني منها المرأة البحرينية، رغم كل المكاسب التي حققتها الحركة النسائية البحرينية، بفضل نضالات وتضحيات نساء بحرينيات رائدات، لايستع المجال هنا لسرد أسمائهن.
المسألة الأولى هي حق المرأة البحرينية في منح جنسيتها لأبنائها من بنين وبنات.
كيف بوسعنا أن نتحدى ونقتل الأحاسيس الإنسانية عند أم تجردها قوانين بلادها من نقل جنسيتها إلى الجيل القادم من أبنائها.
والأمر لا يتعلق بالأحاسيس الإنسانية تجاه الأبناء، بل يسبقها تجاه الأب. فالنتيجة المنطقية التي تقود إليها هذه الحالة «اللا إنسانية» هو إجبار الفتاة، وهي في عز شبابها أن تكبح عواطفها وأن تدفنها تجاه كل من هو «غير بحريني» خشية من مستقبل «أسود مظلم» يتربص بالأبناء.
وإذا ما تجاوز «العنصر الرومانسي» في العلاقة، على الرغم من أهميته إنسانيا، تبقى أمامنا القضايا الأخرى التي لا تستطيع المرأة البحرينية الراغبة في الزواج من غير بحريني أن تقفز فوقها. هناك أمور معقدة بانتظار الأبناء من الأب غير البحريني، من مثل اضطرار الأم لتجديد «سمات الدخول والإقامة»، وبعد ذلك استخراج «رخص العمل لأبنائها الأجانب». وهناك قائمة أخرى من المتطلبات التي تفقد العلاقة الزوجية بعدها الإنساني وتحول البيت ذي «الزوج الأنبي»، ولأسباب خارجة عن إرادة الوالدين، إلى جحيم لا يطاق بدلا من أن يكون «عش الزوجية الجميل».
المسألة الثانية، هي قانون الأسرة، الذي لا يزال يترنح في دهاليز القنوات التشريعية دون أن يرى النور، حتى في آخر النفق.
ليس المجال هنا الدخول في مجادلات فقه قانوني، ولا في حوارات شرعية، فهذا يجر موضوعنا الإنساني نحو مدخل آخر لا نرغب في ولوجه.
من المنظار الإنساني المحض، أكثر ما تخشاه المرأة البحرينية أن تجد نفسها أمام قانونين للأحوال الأسرية كل منهما يعالج قضايا المرأة على نحو مختلف. الأمر الذي يشطر المرأة البحرينية، معها بالطبع المجتمع البحريني إلى شطرين غير متكاملين.
حينها، لن تملك المرأة البحرينية، وحرصا منها على تحاشي «الشطر»، من القبول بما يوضع أمامها. من المتوقع أن تضحي المرأة بمطالبها المشروعة، على مذبح الحفاظ على وحدة المجتمع والحيولة دون تشرذمه.
هذه الحالة تذكرنا بقصة نبي الله سليمان مع المرأتين اللتين ادعت كل منهما أمومتها لطفلة، لكن عندما قرر، لحكمته، شطر الطفلة إلى شطرين، انبّرت الأم الحقيقية، كي تتنازل عن طفلتها، كي لا يشطرها سيف الجلاد، حتى وإن أدى ذلك إلى حرمانها من فلذة كبدها.
ينبغي أن لا نستبعد أن تقبل المرأة البحرينية وأمهات الحركة النسائية، بأي قانون، طالما أنه لا يشطر البحرين إلى نصفين.
هاتان المسألتان، ليستا، ومن الخطأ أن تكونا بديلا لمطالب الحركة النسائية، أو حرفا لمسار نضالاتها، لكنها إشارة لربط بين المطالب النضالية والقضايا الإنسانية، ولربما أفضل صيغ النضال هي تلك القادرة على صهر الإنساني في بوتقة النضالي، والعكس صحيح أيضا.
هذا الصهر التكاملي هو الذي ينزع عن الحركات النضالية، ويحتفظ فقط بردائها الإنساني، وهو أرقى رداء وأكثرها مناسبة لأية امرأة عصرية مناضلة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2375 - السبت 07 مارس 2009م الموافق 10 ربيع الاول 1430هـ