العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ

اعتقال البشير... حلم ليلة صيف

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في «منتدى ومعرض البحرين الأمني» الذي عقد الأسبوع الماضي، صرّح نائب رئيس تحرير صحيفة مصرية أن الرئيس السوداني عمر البشير لن يكون أمامه غير الاستقالة. وكان يستند في تقديره إلى ما سمعه عن أجواء زيارة الوفد المصري للخرطوم، الذي حاول إقناع البشير بالاستقالة. وتبيّن وجود عرضٍ من الإدارة الأميركية الجديدة بسحب مذكرة التوقيف مقابل عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية.

كانت هذه أمنية وحلمَ ليلةِ صيف، فما حدث هو في الاتجاه المضاد لكل الرغبات الأميركية والبريطانية والفرنسية. فالبشير استبق مذكرة اعتقاله بتدشين «سد مروي»، أكبر مشروع على النيل منذ إنشاء السد العالي في مصر. واختار أن يلقي خطابا عالي النبرة، افتتحه بمخاطبة الوجدان الديني لدى الإنسان السوداني، مترافقا بإعلان «مادي» عن خفض الرسوم على الكهرباء على المواطنين.

البشير الذي سيكمل بعد ثلاثة أشهرٍ عشرين عاما له في الحكم، استهل خطابه بسؤال الجموع الغفيرة: «ما الذي يغيظ الصليبيين غير الصلاة على النبي؟ صلّوا على النبيّ لتغيظوهم». وهكذا صدحت حناجر آلاف السوادنيين بالصلاة على النبي، بينما راح البشير يصبّ لعناته على الغرب الذي يريد إعادة السودان إلى ربقة الاستعمار وتعطيل عجلة التنمية وتجويع الشعب كما فعلوا حين منعوا عنه القمح... وتحدّاهم قائلا: «بلّوا القرار واشربوا ميّته».

عصر أمس، وكما كان متوقعا، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال البشير، وما يترتب عليها من احتمال اعتقاله عند سفره للخارج، وهو ما ردّت عليه الخارجية السودانية مباشرة بأن البشير سيشارك في مؤتمر الدوحة نهاية الشهر الجاري... وهذا أول رد فعلٍ في لعبة التحدي.

التقارير الصحافية حتى الآن تشير إلى التفافٍ كبيرٍ للشعب السوداني حول البشير، بعد أن تحوّل إلى رمزٍ للسودان، وهو عكس ما كان يخطط له الغربيون بفعل حساباتهم الخاطئة في فهم نفسيات شعوب المنطقة، وبالتالي يتخبّطون في سياساتٍ تزيد حدّة مشكلات المنطقة، من العراق وأفغانستان... إلى فلسطين ولبنان والصومال.

إن من الصعب أن يقتنع 360 مليون عربي، بأن البشير ارتكب جرائم حرب أكبر من جرائم جورج بوش في العراق، فقبل مثول البشير أمام المحكمة الجنائية، كان الأولى أن يمثل بوش أمامها لمسئوليته المباشرة عن مليون قتيل عراقي، إلى جانب اقتياد أكبر شركائه في الحرب، طوني بلير، الذي كوفئ بتعيينه في منصب دولي رفيع، ليلعب دور عرّاب السلام في اللجنة الرباعية!

المواطن العربي لا يمكن أن يستوعب أن يحاكم البشير، بينما هناك عصابةٌ من مجرمي الحرب الإسرائيليين، أشعلت حربين دمويتين خلال عامين، دمّرت في الأولى البنية التحتية لبلدٍ مستقل، ودمّرت في الثانية قطاعا محتلا منذ أربعين عاما، بمباركة أميركا وبريطانيا وبقية الحلفاء. وحين لمّح البعض في اسبانيا بملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، صدرت تطمينات بتغيير القوانين لضمان إفلات أولمرت وليفني وباراك من الاعتقال.

روسيا اعتبرت قرار اعتقال البشير سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، بينما دعت أميركا إلى ضبط النفس... فهي تشعل الحرائق ثم تبدأ بالولولة والبكاء!

عالمٌ منافقٌ، يتحكّم فيه الأقوياء، والمحكمة الدولية التي عوّل عليها الضعفاء في الحصول على حقوقهم من الدول الاستعمارية، بدأت بملاحقة رئيس دولةٍ مبتلاةٍ بصراعاتٍ داخلية... بينما تركت بوش وتشيني ورامسفيلد الذين فرضوا حربا عالمية وأرسلوا «المارينز» للقتال في العراق وأفغانستان!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً