أذكر أنني سألتُ صديقا لي عن السبب الذي أدى إلى اندلاع الحرب بين إثيوبيا وإريتريا العام 1998، والتي استمرت سنتين وأدت إلى مقتل 70 ألف شخص على الأقل، فأجابني بسخريته المعهودة «يبدو لي أن عنزة لأحد الإريتريين شربت ماء من طشت إثيوبي فقامت الحرب!»، في إشارة إلى أن سبب الحرب كان واهيا وليس المراد التقليل من شأن الدولتين أو شعبيهما.
واليوم وبعد مضي سنوات من تلك الحرب أتساءل لماذا تدور حرب ضروس بين الإخوة الصوماليين وعلى أي أساس؟ فالحكومة التي تشكلت أخيرا بقيادة الإسلامي المعتدل شيخ شريف شيخ أحمد هي المحاولة الخامسة عشرة لإعادة الوضع إلى حكومة مركزية قوية في مقديشو بعد مضي 18 عاما من الفوضى المستشرية.
الغريب في الأمر أن الذين يقاتلون حكومة شيخ أحمد هم إسلاميون رغم أنه كان من بين صفوفهم وقائدا في حركة المحاكم الإسلامية التي انشطرت إلى جناحين أحدهما في جيبوتي والآخر في أسمرا برئاسة الشيخ حسن طاهر أويس.
يتهم المعارضون الرئيس المنتخب على أنه نكث عن المشروع الإسلامي للدولة. وأعتقد أن هذا لم يحدث بتاتا، ولكن لكي يقيم الزعيم مشروع بهذا الحجم والكيف وفي ظل المتغيرات الدولية الحالية عليه أن يمارس السياسة بحنكة. وخير دليل على أن الرئيس شيخ أحمد لم يتراجع عن مواقفه هو رده على مبادرة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي عرض وساطته بين الإسلاميين الأسبوع الجاري. فقد جاء في رسالة الرئيس الصومالي الجديد الموجهة إلى الشيخ يوسف القرضاوي «نؤكد لكم استجابتنا لدعوتكم للوحدة والحوار». وأضاف «نؤكد لكم أننا مازلنا نمد أيدينا لإخواننا الذين خالفونا الرأي والاجتهاد ونقول لهم تعالوا إلى تمكين الإسلام(...) والتطبيق الصحيح للشريعة الإسلامية». ما أجمل هذا الحديث الذي لم يكن فيه ما يدل على النكوث بالمبادئ الإسلامية.
في المقابل صعدت حركة «شباب المجاهدين» من حملتها العسكرية تجاه قوات شيخ شريف والقوات الإفريقية التي جاءت للمساعدة في إحلال السلام!.
ولا أعلم حقيقة إن كانت إقامة السلطان مقدمة أم تطبيق الشريعة في هذه الحال، في بلد لا يأمن الإنسان على نفسه وعرضه وماله. أليس من الأجدى إقامة أركان الدولة الصومالية أولا ومن ثم الحديث عن تأسيس الدولة الإسلامية مع العلم أن هناك مليون لاجئ صومالي في داخل البلاد يتضورون جوعا، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ومئات الآلاف في الخارج بينما يغرق العشرات في عرض خليج عدن أسبوعيا هربا من الموت؟
إن أهمية الصومال الشقيق تكمن في موقعه الاستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي بساحل طوله 3200 كلم تقريبا، وكذلك يزخر هذا البلد العربي الإفريقي بثروة معدنية في مقدمتها اليورانيوم وما أدراك ما اليورانيوم. لقد وقعت حكومة محمد سياد بري في العام 1976 اتفاقا مع الاتحاد السوفياتي السابق على أن تمنح موسكو حقوقا حصرية للتنقيب عن هذا المعدن. وقد عملت الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من دهاء لإفشال هذا التحالف الصومالي -السوفياتي إلى أن سقطت حكومة بري العام 1991. أهمية اليورانيوم في عصرنا الحاضر تكمن في أنه مصدر للطاقة النووية خصوصا بعد تذبذب أسعار النفط وتوقع انحسار إنتاجه مستقبلا. فهل يعي المتفرجون الدوليون على الوضع الصومالي المتدهور، مخاطر إهمال هذا الموقع الاستراتيجي والمعدن النفيس قبل أن تأتي قوى خفية تستغل هذين العاملين لمآرب أخرى؟.
إن المخرج يتمثل في دعم الحكومة الصومالية الحالية ماديا ولوجستيا حتى تقف على قدميها وتحقق الاستقرار. ويجب على الرئيس شيخ أحمد ألا يكل من دعوة رفاقه السابقين إلى مائدة الحوار وكذلك السعي إلى تسوية مرضية مع قبيلة «الهوية» ذات النفوذ التي يبدو أنها غير مرتاحة للتشكيل الوزاري الجديد وأيضا إرضاء أولئك المتذمرين من عدم تمثيل المرأة في الحكومة.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2367 - الجمعة 27 فبراير 2009م الموافق 02 ربيع الاول 1430هـ