تكتشف أية نظرة فاحصة للإعلام السائد في البحرين، حتى وإن كانت سريعة، أن هناك أزمة تلمّ بالساحة السياسية البحرينية.
وعند الإشارة إلى الإعلام، لا ينحصر الحديث في دائرة الإعلام الرسمي أو التقليدي.
المقصود بالإعلام هنا كل ما يصدر عن المنخرطين في العمل السياسي من أطراف سلطة ومعارضة، وعلى المستوى الإعلامي لا نلغي من الحسبان المواقع الإعلامية التي تنتشر على شبكة «الويب».
ولهذه الأزمة ما يفسرها، فهي لم تأت من الفراغ، ولم تفرضها قوى خارجية، التي حتى وإن كان لها شيء من التأثير، لكنه يبقى ثانويا مقارنة بالعوامل الداخلية. لذلك فالأزمة هي تعبير عن واقع التطورات السيو - اقتصادية التي عرفها المجتمع البحريني على امتداد السنوات العشر من تاريخه المعاصر.
يمكن تلمّس الأزمة من خلال الصدامات المباغتة غير المتوقعة التي تهب على الساحة البحرينية، والتركيز غير المبرر، من لدن بعض الأطراف على القضايا الثانوية، وإحلالها، بشكل متعمد من قبل قوى معينة، أو غير واع من قبل قوى أخرى، مكان الرئيسية، في الوقت ذاته التباطؤ المقصود لدى البعض، والساذج لدى البعض الآخر، في التصدي للقضايا الرئيسية.
على المستوى الخارجي، هبت على البحرين، وعلى نحو غير متوقع معركة التصريحات مع إيران بشأن «عروبة البحرين وسيادتها». جيّش المجتمع بكامل مؤسساته وأفراده، واستنفدت قواه، ولم تستثن العلاقات الخارجية أيضا، في معركة قصيرة لم تكد أن وضعت أوزارها.
إذن ومن دون أية مقدمات عادت المياه إلى مجاريها. وحتى اليوم يقف المواطن مشدوها أمام الحالتين: التأزيم الحاد، والوئام اللامتناهي. ومن حقه، أي هذا المواطن، أن يتساءل اليوم وفي ضوء النتائج التي آلت إليها «معركة السيادة»: هل تقع المعركة مع إيران، وبهذا الحشد، في أعلى درجات سلم أولوياتي؟ ألم يكن من الأجدى تحجيمها بحيث تقبع في الخانة الصحيحة التي تستحقها؟
على المستوى الداخلي، لاتزال أكثر المعارك سخونة هي مسألة «التفجيرات»، وما تبعها من إجراءات «التوقيفات»، والتي استحوذت على قوى العمل السياسي التي جيّر كل طرف منها كل ما بحوزته من قوى وفعاليات كي يزج بها في تلك «المعركة الثانوية»، إن جاز لنا الوصف.
وقد يصدم المواطن إذ جاء الحل لهذا التأزم السياسي بعيدا عن سيادة القانون، وبتجاوز لكل المؤسسات القضائية والتشريعية. والأسوأ من كل ذلك أن تقبل القوى المدافعة عن «دولة المؤسسات»، وتلك التي تناضل من أجل «مأسسة المجتمع»، بتلك التجاوزات لكونها تأتي منسجمة مع مصالحها الآنية الضيقة البعيدة كل البعد عن قضايا أخرى تقف في أعلى درجات سلم أولويات المجتمع البحريني.
أما على المستوى الاجتماعي، فتنفجر بين الحين والآخر قضايا هامشية تتعلق بأمور سطحية مثل «الزي المحتشم» الذي يناسب المرأة البحرينية المسلمة، وأي طبيب يفترض أن يعالج المريضة، وفقا للنوع الاجتماعي (الجندر) الذي تنتمي إليه.
يزج المجتمع البحريني في مثل هذه الأمور الهامشية، كي تحل مكان قضايا مصيرية أخرى من مستوى:
الوضع الاقتصادي والتصدي للأزمة المالية التي ستعصف بالبلاد، فكل المؤشرات تدلل على أننا مقدمين على أزمة لن تنجح في مواجهتها «المسكنات» التي قد يتوهم البعض مدى قدرتها «السحرية» في «تخدير» المجتمع، أو تأجيل انفجاراته التي ستندلع بشكل تلقائي وعفوي، فيما لو لم نستعد لها بشكل علمي مدروس.
ولابد من الإشارة هنا إلى تعذر الحصول على الدعم المالي من مصادر قريبة لأن دولها ستكون في وضع أسوأ من البحرين، لأن الأزمة شاملة ولن تستثني أحدا. لذلك فليس هناك من شيء أهم، وفي هذه المرحلة، من التوصل إلى اتفاق استراتيجي وعلى المستوى الوطني بشأن الموازنة للعامين المقبلين، لأنها هي القضية المفصلية التي ستحدد مسار الكثير من الأمور في المرحلة المقبلة.
التشريعات المصيرية، وعلى وجه الخصوص منها تلك التي تنظم الحياة الاقتصادية في البلاد. فغياب التشريعات التي تحقق الشفافية، خلال السنوات العشر الماضية، كان من شأنه تلكؤ بعض الاستثمارت في القدوم إلى البحرين والاستفادة من التسهيلات المتاحة، الأمر الذي يقود إلى توفير عوامل نمو اقتصادي ضاعت من أمامنا فرصة الاستمتاع به. والحديث عن التشريعات، لا يقصد منه قانون هنا، أو مرسوم هناك المطلوب هنا تشريعات تؤسس لنظام عصري متكامل سببه بتلك الأنظمة المعمول بها في الدول الراقية، والتي تتوافر فيه المرونة اللأزمة التي تمده بالقدرة على التطور من خلال التعديلات التي تتطلبها المراحل التي يمر بها المجتمع.
تشتت الأجندات الرسمية والأهلية على مستوى المملكة يخلق بلبلة غير مبررة. وليس المقصود هنا العودة إلى ما قبل المشروع الإصلاحي حيث كانت تستقوي على المواطن المركزية الشديدة المعززة بقوانين قمعية قاسية من مستوى قانون أمن الدولة، لكن وبالمقابل، لا ينبغي أن يقودنا ذلك إلى استدارة مقدارها 180 درجة، تحولنا إلى مجتمع تضيع فيه المسئوليات، وتتلاشى منه قنوات صنع القرار وفق آلية سليمة تتوازن فيها المركزية مع الديمقراطية.
ولكي يكون سلم الأولويات شموليا، فلابد أن تكون المعارضة، بألوان طيفها المختلفة في القلب، من أي من عمليات التغيير أو التطوير.
لكن، ولكي تكون المعارضة، هي الأخرى أهلا لذلك، فهي مطالبة أيضا بأن يكون سلم أولوياتها صحيحا ودرجاته مرتبة وفق أولويات المجتمع، وليس وفق أولويات فئوية آنية وضيقة الأفق.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2367 - الجمعة 27 فبراير 2009م الموافق 02 ربيع الاول 1430هـ