العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ

بين المواطن والرؤية الاقتصادية

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

إن المواطن هي الركن الأساسي في تعريف الدولة ولا يمكن تصور قيام دولة من دون شعب، وإلا فإن الأرض موجودة منذ بدء الباري جل وعلى، نعم تحتاج الدولة لتقوم على مؤسسات وقيم وممارسات، ولكنها تحتاج قبل كل شيء إلى الإنسان، إذن فهو أعلى قيمة في هرم الدولة، وهو المالك الشرعي للثروات التي يحتويها وطنه، وكل ما تقوم به الدولة التي نشأت من خلال «عقد اجتماعي» يجب أن يتماشى مع طموح المواطن. ولكن البحرين وحتى اليوم -وهذا الكلام نظري ولا يستهدف أية جهة أو مسئول- هي عبارة عن سلطة وقوة وكيان مستقل ولكن المواطن مازال يراهن على تصحيح وضعه على أرض الواقع.

إن الإسكان والبيوت الآيلة للسقوط ومعونة غلاء المعيشة والصحة والتعليم وراتب التقاعد والبحار، كل هذه قضايا يجب حلها بحلول جذرية وليست ترقيعية. وعند طرح مثل هذه القضايا فإننا نتطرق إلى القضايا التي تمس الأمن الاجتماعي للمواطن البحريني البسيط الذي يسعى إلى حل مثل تلك القضايا.

كما إننا لسنا ضد أية رؤية اقتصادية أو نظرية يمكن أن تسهم في تحسين دخل الفرد، حيث يشبه بعض الاقتصاديين النظريات الاقتصادية بأنها أقنعة ينتفع بها مروجوها لإضفاء طابع العملية والموضوعية على ما يتبنوا من آراء ولكننا كمواطنين بسيطين نقول إن كانت هذه الرؤى مقرونة بالنظريات الاقتصادية التي ممكن أن تسهم في ما ذكرناه مرحب بها. ولكن لو ألقينا نظرة على ما يعني المواطن في الموازنة المقترحة والتي تمس أمنه الاجتماعي والمتمثلة في السكن والغذاء والصحة والتعليم وقورنت بالرؤية الاقتصادية سنلاحظ أن هناك تناقضا واضحا بين ما يشاع وما هو على أرض الواقع.

ولو ألقينا نظرة على طلبات الوزارات والموازنة المقترحة من قبل الحكومة سنجد أن الأرقام التي بالموازنة المقترحة تتناقض مع طلبات الوزارات من جهة والرؤية الاقتصادية من جهة أخرى، حيث ما جاء بالنص بالرؤية الاقتصادية.

- تقديم الدعم الإسكاني والإعانات لمن هم في أمس الحاجة اليها.

- تحفيز الأسلوب المعيشي الصحيح والتشجيع عليه.

- سهولة وسرعة حصول الجميع على الرعاية الصحية ذات الجودة العالية.

- تعزيز العدالة، لا بد أن يلتزم بها القطاع العام والخاص بشفافية.

- توفير أجواء التنافس الحر والعادل في كل المعاملات سواء كان مرتبطا بالتوظيف أم بمزاد عام لبيع الأراضي.

- تعزيز استدامة التمويل الحكومي بخفض الاعتماد على الإيرادات النفطية لتمويل النفقات الحالية.

- خفض الإنفاق غير الفعال.

- حماية المساحات الطبيعية لكي تتمتع بها الأجيال المقبلة.

وهنا أقول إن هذه العناوين من مشروع الرؤية الاقتصادية لا تتماشى مع الموازنة المقترحة، ولا يمكن أن يؤسس عليها إلى العام 2030 الموعودة بحسب ما جاء في مشروع الرؤية، بدليل أن موازنة الإسكان لم نجد لها تفسير، حيث الطلبات الإسكانية التي على قائمة الانتظار تصل إلى 46 ألف طلب وبمعدل 8 آلاف طلب تزداد سنويا. ناهيك عن شح الأراضي، فكيف نستبشر خيرا من هذه الموازنة؟. علما بأن المبلغ الموازي لتغطية المشاريع الإسكانية المعلقة بلغت ما يعادل 550 مليون دينار، مع العلم لو قامت الحكومة بعرض المشاريع العمرانية المتعلقة بالإسكان للاستثمار مع تحملها كلفة البنية التحتية لقلّ سعر تكلفة العقار وأصبح على أقل تقدير في متناول البحريني (الشريحة الوسطى)، ولكن عرضها للمشاريع العقارية الاستثمارية مضاف إليها البنية التحتية حرم المواطن البحريني من الاستفادة لسبب ارتفاع سعر التكلفة وبالتالي ارتفاع سعر البيع.

هذا بجانب تأسيس الحكومة لشركات برساميل ليست بالقليلة إلا أنها تعزف عن تأسيس بنك للرهن العقاري لتشجيع المستثمر لضمان حقوقه للقروض طويلة الأجل وكذلك ليتسنى لنا كمواطنين الاستفادة من هذه التسهيلات.

إن الأراضي كلها مملوكة للدولة، وهي في الواقع لا تعني أنها مملوكة لهذه الجهة الاستثمارية أو تلك ولا تعني كذلك أنها مملوكة للرؤية الاقتصادية أو السلطة التشريعية أو التنفيذية، فالمعنى الحقيقي للملكية يشير إلى أن الأرض والثروات مملوكة للمواطن وإنما تقوم السلطات بتنظيم هذه الملكية فتشيد منتجعا هنا وآخر هناك أو تشق طريقا هنا وآخر هناك، لأن المواطنين فوضوا الدولة القيام بذلك، ولأن هذه الطرق وتلك المؤسسات لابد أن تقدم خدمات للمواطنين.

من جانب آخر عدم الإفصاح عن موازنة شركة ممتلكات القابضة التي رأس مالها يصل إلى 3 مليارات يترك الأثر السلبي على الشفافية الموعودة بحسب ما جاء في الرؤية الاقتصادية هذا بجانب مساهمة شركة ممتلكات بموازنة الحكومة لا تتناسب مع مردودها الربحي ولا مع طموح الوطن الذي ائتمنها على تلك الاستثمارات، حيث ساهمت بموازنة 2009 ما يعادل 52 مليونا، والعام 2010 ما يعادل 60 مليونا علما بأن ما حققته هذه الشركة لسنة 2007 هو فقط 246 مليون دينار.

وشروع الحكومة في تغطية خسائر بعض الشركات «طيران الخليج» وغيرها لأسباب غير واضحة المعالم، حرم زيادة موازنة الإسكان كما أدى إلى رفض مقترح زيادة عدد الأسرة في المستشفيات وصيانة وشراء الأجهزة الطبية بـ6 ملايين ومشروع البيوت الآيلة للسقوط بـ5 ملايين ومشروع التجديد الحضري بـ10 ملايين وإعانة غلاء المعيشة بـ72 مليونا وعلاوة بدل السكن بـ9 ملايين بحسب اعتقادي.

إن المفاهيم التي تقول إن المصطلحات التي يستخدمها البعض مثل «تحرير التجارة والإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي ونظام السوق الحرة» هي أقنعة تقدم في التقارير للدعوة إلى حكم مطلق يقترب من العقيدة الدينية وهو الرفض التام لأي تدخل حكومي في المسائل الاقتصادية من أجل إصلاح دخل الفرد، الذي يشمل الأسعار الداخلية وخاصة السلع، كما أن إلغاء تدخل الحكومة في الأسعار وتحسين المعيشة والإسهام بتأمين الأمن الاجتماعي للمواطن وإلغاء الإعانات وتضييق نطاق القطاع العام وتحويل مشروعاته للقطاع الخاص لا يخدم المواطن، لأن رجل الأعمال الأول في الدولة هو الحكومة في الوقت الراهن بما تملك من مشاريع استثمارية تستطيع أن تأثر بها بالسلب أو الإيجاب على المواطن فهي إذن معنية بالتدخل.

وعلى المسئول أن يفطن أن الفقر هو وجود أعداد من الناس العاجزين عن إشباع بعض الحاجات الإنسانية الأساسية كالغذاء والملبس والمسكن المناسب وبعض الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة ووسائل الانتقال، وأي شعار يدور حول التنمية لابد أن يعني في النهاية القضاء على فقر الفقراء والتخفيف منه.

إن الموازنة المقترحة لا تتماشى مع طموح المواطن البسيط ولا حتى مع الرؤية الاقتصادية الموعودة ولا مع ما نسمع من الأخبار من قبل المسئولين. فوعود حل مشكلة الإسكان هو مطلب يجب أن يتحقق على أرض الواقع، حيث ليس كل مواطن باستطاعته بناء «كمبون فلل» لأبنائه أو شراء فيلا في أحد المشاريع العقارية، كما أن المتقاعد يعيش فارقا في الدخل مع هذا الواقع الاقتصادي، وخصوصا الذين لم تتغير رواتبهم التقاعدية منذ أكثر من 10 أعوام، والبحار البحريني ولا سيما أصحاب الطراريد لم ينزلوا إلى البحر إلا لسد حاجاتهم بعز وكرامة على رغم هذه الهجمة الشرسة على البحر علما بأن هناك موازنة مخصصة لحماية الحياة البحرية.

ولم نعرف هذه الموازنة ماذا تحمي بالبحر الذي لم يبق منه إلا 3 في المئة من الشواطئ. أما البيوت الآيلة للسقوط فهي أولى بتصحيح أوضاع ساكنيها حيث منازلهم غير صالحة للسكن الآدمي.

لست هنا بصدد التنظير لمفهومي الدولة والوطن، ولا أريد أن أخوض في شعارات «الطرف الواحد» التي تدفع المواطن دائما إلى التضحية من أجل الوطن، بحجة أنه القيمة العليا، والكائن الحضاري الذي استمد قدسيته من قدسية النظريات الاقتصادية، فهذه الحقبة قد احترقت لدى المواطن ولا يفلح من يسعى التغني بها، لأن المواطنين البسطاء عزفوا عنها.

إن الدعوة لتأسيس نظام اقتصادي في بلدنا الحبيب هي دعوة قائمة ومشروعة وضرورية، إذ إن العدل وتأمين أمن المواطن الاجتماعي في ظل المتغيرات هو السبيل الأمثل لضمان تكافؤ الفرص في المجتمع ويمهد الطريق لحدوث التقدم.

عزيزي المسئول... إن المواطن البسيط، وكلنا بسطاء، لا يطلب أكثر من زيادة الدخل الحقيقي الذي يحسّن معيشته، وكذلك تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع. ولكن يبقى الفيصل بمعاناة المواطن وفي جميع ما ذكر من هموم وأمنيات وقضايا، هي درجة الإحساس لدى المسئول

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً