أتيحت لي فرصة الاطلاع على تجربة القضاء الأميركي في العام 2007 عن قرب، والتعرف على أهم أركانه والذي يقوم على فلسفة قد لا ندركها نحن العرب إلا بعد قرون وليس سنين وهي تحقيق ديمقراطية إجراءات التقاضي، بحيث يكون أعضاء المجتمع الذي يعيش فيه المتهم، هم جزء من هيئة القضاء أو ما يعرفون بـ «المحلفون».
المحلفون من عموم الشعب يختارهم المدعي والمتهم بطريقة عشوائية، لمشاركة القاضي في الحكم، إذ يجلسون ويسمعون مرافعات الادعاء وفريق الدفاع ومن ثم يحددون أن المتهم مذنب أم لا، وفي النظام الأميركي القاضي ملزم بتأييد المحلفين في التبرئة ويمكنه أن يخالفهم في حال الاتهام.
من ركائز نظام المحلفين أن يكون الرأي بالأغلبية المطلقة أي أن يكون الحكم بالإجماع، وذلك لسبب بسيط جدا وهو أن المتهم لكي يدان يجب أن يقتنع المحلفون جميعا بدون شك أو ريبة في ذلك، ومتى ما تواجد الشك فمن واجبهم تبرئته.
نظام المحلفين في القضاء نظام له إيجابياته وسلبياته ولا يمكننا قول غير ذلك، إلا أن هذا النظام خير ضمان على أن أحكام القضاء تتماشى مع مبادئ وأفكار أفراد الشعب العادي، بدون التأثر بأفكار الطبقات العليا، كما أنه وسيلة للحد من الاستئثار بالسلطة، فلا تصبح وقفا على قاض قد يكون منحرفا، أو فاسدا.
وبالتالي فإن هذا النظام يلزم طرفي النزاع في بذل قصارى جهدهم من أجل الوصول إلى هدفهم في إقناع المحلفين بأن رأيهم هو الصواب سواء كانوا إدعاء أم هيئة دفاع، وذلك من خلال الأدلة والبراهين ومقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، بالإضافة إلى مخاطبة العقل بشكل بسيط يفهم الجميع، على أن يكون دور القاضي أو رئيس المحكمة تنظيمي في ذلك الوقت من ثم استنباط الحكم.
فلنتخيل أن نظام المحلفين يعمل به في البحرين، فكم ستكون قناعاتنا راسخة ومتيقنة بأن رأي المحلفين سيساعد في صوابية القرار الذي تتوصل له المحكمة، في ظل جملة القضايا المعروضة حاليا والتي يقول محامون إنها تعتمد في أحيان على الاعتراف القهري كدليل، ويؤكده إدعاء المتهمين الذين طالما ينكرون ما اعترفوا به أمام النيابة العامة لغياب أي دليل أو قرينة أخرى يمكن أن يقدمها الإدعاء سوى اعترافات تنتفي بمجرد وقوف المتهم أمام القاضي وقوله «لست مذنبا».
ما يثير استغرابنا في الكثير من المواقف أن قول رسول الله (ص) «إن البيّنة على من إدعى، واليمين على من أنكر» قد تقلب وتصبح البينة على من أنكر وعليه إثبات صحة براءته، لا أن يثبت الإدعاء صحة اتهاماته.
وبالتالي باتت جملة من القضايا محل جدل وغياب لدليل الاتهام فيما يمكث المتهم شهورا في السجون ليثبت بأنه غير مذنب في ظل غياب دليل الاتهام، ولو كان المحلفون موجودين لما احتاجوا كثيرا لإنهاء القضية بحكم الديمقراطية
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2363 - الإثنين 23 فبراير 2009م الموافق 27 صفر 1430هـ