تحتضن أبوظبي، خلال الأيام 22 - 26 فبراير/ شباط 2009 معرض ومؤتمر الأسلحة «آيدكس». ومن أجل المقارنة لتقريب أهمية «آيدكس» إلى ذهن القارئ، يحتل «آيدكس»، كمؤتمر ومعرض بالنسبة إلى صناعة السلاح، ذات الثقل الذي يمثله «جايتكس» بالنسبة لإمارة دبي عندما يتعلق الأمر بصناعة الاتصالات والمعلومات.
يشاهد الزائر هنا أجنحة دول عظمى مثل الصين والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، جنبا إلى جنب مع دول صغيرة مثل سنغافورة وفينا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشركات، فإلى جانب «لوكهيد» و»ثاليس» هناك شركات صغيرة من حجم «سافي» المتخصصة في صناعة اتصالات التعرف على المواد والأفراد ياستخدام تقنيات (RFID).
ومن صالات المعرض الـ 12، ينتقل الزائر إلى قاعات المحاضرات التي تتحدث فيها شخصيات معروفة في عالم السلاح والكتابات حوله، من أمثال غاي أندرسون، المحرر في فصلية جين لصناعة السلاح (Editor, Janes Industry Quarterly GUY ANDERSON)، والبروفيسور فيليب تيلور أستاذ الاتصالات في جامعة ليدز (Professor of International Communications, University of Leeds, UK، PROFESSOR PHILIP TAYLOR).
يثير «آيدكس»، الكثير من الخواطر ذات العلاقة بالكثير من القضايا، تعبر عنها بشكل أو بآخر الكثير من الحوارات التى تدار اليوم، والمؤتمرات وورش العمل التي تقام بشكل دوري، والجهود الدؤوبة التي تبذل لمراقبة تجارة السلاح وقنوات تدفقها، من أجل تقليص انتشار القطاع الشرعي منها، ووضع حد لتلك التي تمارس على نحو غير شرعي، وبشكل مخالف للقوانين والأنظمة الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بصناعة السلاح ذاتها. باختصار، يشهد العالم منذ فترة ليست بالقصيرة حملات متعددة من أجل التوصل إلى إبرام معاهدة دولية تكون ملزمة، بموجب قوانين دولية صارمة، لمن يوقع عليها، كي تتولى تنظيم تجارة الأسلحة.
وتعود بداية الحملة إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2003، عندما انظم إلى تلك الحملة ما يربو على مليون شخص من شتى أنحاء العالم. وكانت أروقة الأمم المتحدة مسرحا حيا لمثل تلك الأنشطة، عندما صوتت 153 دولة في ديسمبر/ كانون الأول 2006، لصالح قرار يقضي «ببدء عملية وضع معاهدة عالمية لتجارة الأسلحة في العام 2007».
وفي هذا السياق، بوسعنا استرجاع ما نقلته مجلة «الطليعة» الكويتية على لسان أحد المتحدثين باسم المنظمة الدولية للاعنف فريد لوبانغ الذي يلقي الضوء على الاختراقات التي تمثلها تجارة الأسلحة لقوانين حقوق الإنسان من «عمليات القتل النابعة من دوافع سياسية والهجمات على حرية الكلام». ويدعو لوبانغ الحكومات إلى الإصغاء «إلى الناس الذين يعانون من العنف المسلح بصورة يومية».
بالنسبة إلى الحضور العربي في «آيدكس»، فباستثناء جناح مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والذي يمكن أن نرى، من خلال المطبوعات القيمة التي ينشرها، أي حضور عربي مميز، فيما عدى، إلى جانب المرز، جناحا للملكة الهاشمية الأردنية.
قضايا كثيرة يثيرها «آيدكس» في ذهن زواره، لعل أولها هو أن العرب، لا يزالون بالنسبة إلى صناعة الأسلحة من أكبر المستوردين لمنتجاتها، بما فيها بعض تلك الأسلحة المتقدمة التي تتآكل وتندثر بشكل تلقائي بطيء نظرا لعدم استخدامها، هذا إذا تجاوزنا عدم الحاجة إليها من الأساس. صفقات السلاح تتم كي يستفيد منها بعض الأفراد الذين يرتبونها، من خلال العمولات التي يتلقونها، وهي ذات قيم كبيرة، مقارنة بأية عمولات أخرى. وخلال السنوات العشرين الماضية، وخصوصا في أعقاب غزو الكويت، وبعد التدخل الأمريكي للعراق، كفت مصادر غربية صفقات تسلح كبيرة، تورط فيها مسئولون كبار. القصد من وراء الإشارة لذلك هو أن تلك الصفقات تتم لصالح جيوب الأفراد الذين يرتبونها، وليس من أجل تلبية احتياجات هذه الدولة العربية أو تلك.
أهم علامة استفهام كبيرة يثيرها «آيدكس»، هي أنه على رغم ضخامة صفقات التسلح التي عقدتها الحكومات العربية، سواء مع الكتلة الغربية، أو مع الكتلة الشرقية، قبل سقوط الكتلة السوفيتية، لماذا لم يحقق العرب أية انتصارات عسكرية في أي من الحروب التي خاضوها مع قوى خارجية؟ بالطبع كانت هناك بعض الانتصارات -الداخلية- لهذه الدولة العربية على شقيقتها الأخرى، لكنها تقع ضمن الصراعات العربية الإقليمية. لا نريد هنا التطرق إلى الحروب العربية-الإسرائيلية، كي لانثير في نفوس القراء موجة تشاؤمية تضاعف من حدة الإحباط الذي يسيطر على الذهنية العربية والتي ولدت جيلا من «المنهزمين» العرب.
خاطرة لايملك المواطن العربي، أن يطردها من ذهنه وهو يتجول بين أجنحة «آيدكس»، هي تلك المقارنة التي يجريها ذهنه بين ما تهدره الموازنات العربية، من دون أي استثناء بين الدول النفطية أو غير النفطية، أو «التقدمية» إن جاز التصنيف أو «غير التقدمية»، وبين ما تخصصه أي منها لمحاربة الفقر أو المرض، بل وحتى الجهل. لا أحد منا بوسعه أن ينكر، أنه تحت كل أردية و مظاهر «التقدم» و»الرقي» الخادعة التي ينبهر بها السذج منا، تقبع هناك مشاكل أساسية، لم يتوصل العرب إلى حلول بشأنها.
نبدأ بالخدمات الصحية، حيث مايزال مستوى أرقى الخدمات الصحية في أغنى بلد عربي، لايصل إلى تلك المتوافرة في دولة صغيرة ناشئة من مستوى تايلند أو تايوان. ومن الصحة نعرج على التعليم، الذي لايزال يأخذ بنماذج ومدارس أوروبية يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر في أفضل الحالات.
وليس هناك مجالا للمقارنة عندما نتحدث عن ثورة الاتصالات والمعلومات، فتقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية، بما فيها تلك المتخصصة في البلاد العربية، تكشف عن تخلف غير مبرر، لاتفسره سوى أن تأمين السلاح ومعدات الأمن تأتي في أعلى سلم أولويات الموازنات العربية، بينما تقبع خجولة ومحدودة موازنات التنمية التي تخاطب قطاعات جوهرية يحتاجها المجتمع العربي مثل الخدمات الصحية والتعليمية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2362 - الأحد 22 فبراير 2009م الموافق 26 صفر 1430هـ