أنهى اليمنيون قبل أيام أعمال اللقاء التشاوري الذي تداعت له فصائل المعارضة اليمنية المختلفة من أجل تضافر الجهود لانتشال «اليمن» من أزماتها السياسية. ومما جاء في كلمة رئيس المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك، سلطان حزام العتواني وهو يخاطب المشاركين في اللقاء الذي حمل عنوان «أزمة النظام السياسي في اليمن»...
قراءة في الأسباب والتداعيات»، أن اليمن يعاني من أزمة حادة «أصبحت تهدد كيان الدولة والنسيج الاجتماعي ومازال في أيدي اليمنيين مجال لأنْ تتكاتف جهودهم للخروج من الأزمة بما يضع الدولة والمجتمع أمام مرحلة جديدة وعصر جديد. وأضاف العتواني، في خطاب نقل مقتطفات موقع (الحدث اليمني)، متهما النظام بعجزه «عن خلق شروط وأدوات مناسبة من شأنها حماية البلاد من التفكك السياسي والعرقي وأن توفر الأمن والتنمية للمواطنين في ظل انشغاله بما هو ليس سياسيا، مشيرا إلى بعض المظاهر والتداعيات المترتبة على أزمة النظام السياسي كإلغاء الشراكة الوطنية واستبدالها بالجهوية».
أزمة اليمن ليست فريدة على المستوى العربي، فعندما نتفحص المشهد السياسي العربي، سواء كان ذلك في ساحاته الساخنة مثل الساحة الفلسطينية، أو الراكدة مثل بعض دول الخليج العربي، أو المتوترة مثل البحرين، فأول ما تصطدم به عينا المشاهد لمسرح العلاقات السياسية العربية، على النطاق الإقليمي الشامل، أو القطري المحلي، هو حالة التشظي، غير المبرر، الذي يحكم سلوك القوى السياسية، بغض النظر عما تدعيه برامجها التي تحاول أن تزين صورتها من خلال الحديث عن «الوحدة الوطنية»، أو «التكاتف القومي»... إلخ من العبارات التي انشرخت أسطوانتها جراء اجترار إدارتها، وأوصلت المواطن العربي إلى حالة من اليأس تكاد أن تتحول إلى خلفية حضارية تحرك آليات العلاقات السياسية العربية.
وللتشظي السياسي، والذي هو في حالات كثيرة أسوأ وأشد خطورة حتى من التفكك الاجتماعي، تأثيرات سلبية، تجر وراءها ذيولا مدمرة، من شأنها، لا أن تعيق حركة مجتمع ما فحسب، بل وأن تجره عقودا تاريخية إلى الخلف.
ومن بين الباحثين العرب الذين ناقشوا هذا الموضوع بعمق، محمد جابر الأنصاري، الذي حاول من خلال تتبعه لتطور الدولة ومفهومها في ذهنية المواطن العربي، أن يكتشف ذلك الصراع بين «الحضارة» و»البداوة»، وأن يدرك ذلك التناقض بين «الولاء القبلي» المنغرس عميقا في فكر ونفسية نسبة كبيرة من العرب، والمصطدم «حضاريا» مع الدولة بما تعنيه من حدود جغرافية وولاءات سياسية وعقود اجتماعية.
ما يدور اليوم على الساحة السياسية البحرينية من حوارات وصراعات ودعوات تحالف وتحذيرات تشظٍ، يدعونا لإعادة قراءة كتب من نمط مؤلفات الأنصاري، أو فؤاد خوري «الدولة والقبيلة»، أو اجتهادات باقر النجار «الديمقراطية الصعبة»، لكي نفهم، ومن ثم نعالج الخلل البنيوي الذي تعاني منه الحركة السياسية البحرينية، بكل أطيافها وأجنحتها، والذي يحول دون تضافر جهودها في كتلة سياسية كبيرة، تبيح لها، كمعارضة، انتزاع مكاسب استراتيجية، وكسلطة، في تنفيذ خطط وبرامج ذات أبعاد استراتيجية أيضا.
مخاطر التشطي السياسي كثيرة ومن أهمها:
1 - تشوه سلم الأولويات، فتزيح الأهداف الثانوية تلك الرئيسية من مواقعها المتقدمة، وتصبح هي -الثانوية- في الواجهة. فيلج ساحة العمل السياسي الأقزام بدلا من العمالقة، ويتأجج الصراع حول القضايا الثانوية، وتفقد القضايا المصيرية أهميتها. وقياس «القزمية»، و»العملقة»، ليس كميا إستاتيكيا، بقدر ما هو ديناميكيا يتجاوز عدد الأفراد المنتسبين لهذه القوة السياسية أو تلك، ويحتل نطاقا أوسع من عدد من هم في المجلس الوطني بجناحيه.
2 - ازدهار الانتهازية، إذ تنتشي القوى الانتهازية التي لها مصلحة مباشرة في الحفاظ على مكاسبها التي حققتها، إبان تلك الصراعات الثانوية، والتي تنضوي مصالحها الأنانية الضيقة، مباشرة، تحت أجنحة تلك القوى الصغرى التي تجد من مصلحتها هي الأخرى أن تتحالف مع تلك القوى الانتهازية، في وجه القوى الداعية للتغيير نحو الأفضل.
3 - الاختراق الأجنبي، فدروس التاريخ تكشف أمامنا أن مراحل التمزق السياسي، هي أفضل اللحظات التاريخية السانحة أمام القوى الأجنبية كي تخترق الحدود، وتبدأ في نسج تحالفات جديدة، من نمط جديد، ليست قائمة على المصلحة الوطنية الداخلية، بقدر ما هي تفتح المجال أمام تلك القوى كي تحرف الصراع وتجر القوى المنخرطة فيه بما يخدم مصالحها هي التي، من الطبيعي أن تضعها في المقدمة، حتى وإن كان ذلك على حساب المصالح الوطنية الاستراتيجية.
إن ما وصلت إليه الأمور في البحرين لم تعد تبيح، لكل من هو حريص على مستقبل هذا الوطن، أن يدفن رأسه في الرمال أو أن ينجرّ وراء التزاماته التاريخية المتراكمة عبر عقود من الزمان، متناسيا متطلبات المرحلة ومقتضياتها. القوى السياسية البحرينية اليوم، مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بوقفة مصارحة مع الذات، والتي باتت ضرورية وغير قابلة للتأجيل.
هذه المصارحة، ينبغي أن تتمتع بأعلى درجات الشفافية، كي تنتشل المشهد السياسي البحريني من حالته المرضية المتشظية، إلى مرحلة صحية أكثر رقيا وأكثر قدرة على انبثاق كتلة سياسية معارضة، قادرة على فرض نفسها على خشبة ذلك المسرح، من خلال برنامج سياسي معاصر قابل للتطبيق، وقادر في آن يقود معه الكتلة الجماهيرية الحرجة التي تلبي احتياجات ذلك المواطن، وتعيد سلم أولويات المطالب إلى تدرجها الصحيح.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2359 - الخميس 19 فبراير 2009م الموافق 23 صفر 1430هـ