العدد 2354 - السبت 14 فبراير 2009م الموافق 18 صفر 1430هـ

نعاسنا أمام المخاضات الدولية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هناك صور متقابلة بين ما يجري في العالم وبين ما نراه في دول مجلس التعاون، مع أن الأمر ينطبق على كثير من دول الوطن العربي. وعند إجراء التقابل بين الصورتين تطرح بعض الأسئلة نفسها علينا وعلى كل من يعنيهم الأمر. ولنركّز اليوم على مختلف ردود الفعل عبر العالم كله تجاه الأزمة المالية والاقتصادية الحالية والمترشحة للاستفحال في القريب.

إن الكثير من كبار المسئولين في الصين قد عبروا عن ضرورة مراجعتهم للسياسة الاقتصادية السابقة التي تبنت سياسة الاعتماد الكبير على الصادرات لتحريك وإنماء الاقتصاد الصيني. ولقد أدركوا النتيجة الكارثية لمثل ذلك التوجه عندما ضعفت القدرة المالية لدى المستهلكين للبضاعة الصينية الرخيصة فوجدت الصين نفسها أمام الشلل الكبير الذي أصاب مؤسسات الإنتاج والتصدير عندها وأدى إلى بطالة هائلة مترشحة لكي تصبح اضطرابا اجتماعيا قد يهدد أمن واستقرار الدولة. من هنا فإن الصين ستتوجه مستقبلا نحو اقتصاد يعتمد في قسم كبير منه على السوق الصينية الداخلية حتى لا يبقى أسير الاضطرابات في السوق العولمية. فهل سينظرالمسئولون الاقتصاديون في دول مجلس التعاون في اتخاذ الكثير من الخطوات للتقليل من اعتماد دولنا، في الجوانب المالية والاستثمارية على الأخص، على أسواق الآخرين؟

إن رئيسة حكومة ألمانيا قد طالبت بإلحاح بناء مؤسسات دولية لمراقبة الأسواق العولمية ووضع ضوابط ومعايير تحكم تلك الأسواق التي اختفت الحدود فيما بينها. وقالت إنه لا يجوز أن تطالب الدول بفتح أسواقها لكي تصبح جزءا من السوق العولمي الكبير من دون أن تكون لها كلمة في ضبط هذا السوق حتى لا تجد الدول نفسها ضحية أخطاء أو مغامرات ترتكب في أحد الأسواق كما حدث في السوق الأميركية المالية والعقارية التي بانحدارها المفاجئ جرّت معها كل أسواق العالم. فهل نستطيع الحصول على موقف واضح مشترك من قبل كتلة دول مجلس التعاون المترابطة اقتصاديا بشأن هذا الاقتراح، وخصوصا أن كل دول المجلس قد أصابها الضرر من جراء أخطاء ارتكبها الآخرون؟

إن عالما اقتصاديا حصل على جائزة نوبل لتميُّزه في حقل الاقتصاد وتسلّم سابقا مسئوليات قيادية في مؤسسات العالم الدولية، وهو جوزيف ستجلتز، قد أعلن أخيرا في مقابلة صحافية بأنه لايثق في قدرة وأخلاقية المصارف الدولية للخروج من أزماتها وذلك من خلال ضخّ أموال دافعي الضرائب في جيوب أصحاب ومديري تلك المصارف. وهو يفضل تأميم تلك المصارف. نعم ذكر كلمة التأميم التي اعتقد الناس أنها اختفت من القواميس للأبد. فإذا كان مفكّّّروا الاقتصاد الرأسمالي يراجعون أنفسهم فهل نطمع في أن تقوم دولنا بتكوين جماعات استشارات فكرية في الاقتصاد من أجل مراجعة تصورات دولنا الاقتصادية في الداخل والخارج والتي حكمت تصرّفاتنا الاقتصادية عبر العشر سنوات الماضية والتي أثبتت الكارثة الحالية خطأ بعض منها على الأقل؟

إن مراجعة الممارسات الاقتصادية العولمية قد طالت العديد من دول أميركا الجنوبية التي عادت لدور الدولة في قيادة الاقتصاد، بل ووصلت إلى دولة رأسمالية مثل فرنسا حيث أعلن عن تكوين حزب لمقاومة الرأسمالية، وهي خطوة رمزية بالغة الدلالة. والأكثر دلالة هو محاولة قلع الرأسمالية وأكبر داعية لحرية الأسواق المنفلتة، أميركا، لأخذ خطوات حمائية مؤخرا تحمي صناعاتها وعمالها. ومع أن أميركا تراجعت عن ذلك تحت تأثير الصيحات التي أطلقتها الدول الرأسمالية الأخرى إلا أن مجرد التفكير في فرض خطوات حمائية دليل على أن فكرا اقتصاديا جديدا وتراجعا عن جنون حرية السوق العولمية قد بدآ يطلان برأسهما.

نحن أمام أحداث ومخاضات كبرى. ويوميا يطل علينا مسئولو ومفكروا العالم، لإخبارنا عما سيفعلون، فهل نطمع في الاستماع إلى ما يدور في خلد مسئولينا بالنسبة إلى آثار تلك المخاضات على حاضرنا ومستقبلنا، أم أننا سنستمر، على رغم خسائرنا المالية والاقتصادية الكبرى في الاعتقاد بأن ما يجري في العالم هو زكام خفيف سيزول، وأننا نستطيع مواصلة النعاس والعيش في الأوهام؟

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2354 - السبت 14 فبراير 2009م الموافق 18 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً