العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ

التنمية في دول مجلس التعاون (1-2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المتوقع أن تبلغ عائدات دول مجلس التعاون النفطية بحلول العام 2020، ما يقارب من 4.7 تريليونات دولار. تلك كانت توقعات تقرير «التوجهات العالمية الكبرى للعام 2009»، الذي أعده بيت الاستشارات «إرنست ويونغ»، مبنيا على أساس أن يكون «الحد الأدنى لنطاق الأسعار المستهدف لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) خمسين دولارا للبرميل الواحد. ولاينكر التقرير احتمال تأثر المنطقة «بآثار التباطؤ الاقتصادي العالمي لكن ستمكّن الأرباح المتزايدة دول مجلس التعاون الخليجي من شراء أصول إضافية على الصعيد العالمي أو تمويل مشاريع لتطوير البنية التحتية المحلية، حينما تمر العديد من الاقتصادات العالمية بحالة من التباطؤ».

مقابل هذا التقرير يطالع المواطن الخليجي تقريرا آخر صدر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي يؤكد «أن دول الخليج ستشهد انخفاضا في معدل النمو هذا العام بسبب انخفاض صادراتها من النفط وانخفاض أسعاره كذلك». أكثر من ذلك يذهب التقرير إلى حد التخوف من أن تسجل هذه الدول «عجزا في موازنتها بنحو 3.1 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي لها، بانخفاض عن الفائض الذي حققته العام 2008 وبلغ 22.9 في المئة».

نشير إلى تقرير صندوق النقد الدولي كي نؤكد أن الصورة ليست وردية بالمطلق، كما يحاول أن يلونها الكثير من المسئولين الخليجيين، وخبراؤهم الموظفين لديهم. لكن، حتى لو تجاوز المواطن الخليجي التقارير الرصينة والتي قد تبدو متشائمة، وأخذ بما يصدر عن بعض البيوت الاستشارية من نمط تقرير «التوجهات العالمية الكبرى للعام 2009»، فلن تستطيع تلك التقارير أن تبث الثقة في نفس ذلك المواطن، ولا أن تشعره بالاطمئنان الذي يبحث عنه بشأن مستقبله، ليس كفرد فحسب، وإنما كوطن على حد سواء.

السؤال الذي يبحث المواطن الخليجي عن جواب له، والذي من المفترض أن تتناوله مثل تلك التقارير هو ما هو دور تلك المداخيل في عملية التنمية الشاملة: اقتصادية واجتماعية، بل وحتى سياسية، التي تحتاجها دول مجلس التعاون الخليجي، ولايمكنها أن تستغني عنها. هذا الدور، لا ينبغي أن يقاس بشكل منفصل بعيدا عن مقارنته بمستوى ودرجة النمو التي ستشهدها مناطق أخرى من العالم خلال الفترة ذاتها. ففي نهاية المطاف ليس الهدف من زيادة النمو أو تنامي دخل الدولة تكديس سيولة نقدية في جيوب حفنة صغيرة تشكل نسبة ضئيلة من السكان. الهدف هو أن تساهم خطط التنمية كي تتحول تلك المداخيل إلى عنصر فعال في عملية تنموية شاملة يحتاجها المجتمع الخليجي. هذا يقودنا إلى تحديد مفهوم عملية التنمية الذي ربما يكون السبب الكامن وراء تباين الأفكار، وتضارب التوقعات.

محمد شريف بشير -جـامعة بترا- ماليزيا، يتابع في تسلسل زمني تطور مفهوم التنمية على عقود من الزمان، والتي تعود بداياتها - كما تحددها مقالته المنشورة في موق (إسلام أونلاين) إلى الخمسينيات من القرن الماضي عندما كانت التنمية محصورة في، «قدرة الاقتصاد القومي على توليد واستدامة الزيادة السنوية في الناتج القومي الإجمالي (GNP) بنسبة تتراوح بين 5 في المئة إلى 7 في المئة أو أكثر»، كي يصل في نهاية المطاف إلى التسعينيات من القرن الماضي، ويقف عند تعريف البنك الدولي للتنمية الذي يقول في تقريره عن التنمية للعام 1991، «إن التنمية هي تحسين نوعية الحياة، وخاصة في عالم الدول الفقيرة، كي تتضمن تعليما جيدا ومستويات عالية من التغذية والصحة العامة وفقرا أقل، وبيئة نظيفة، وعدالة في الفرص، وحرية أكثر للأفراد وحياة ثقافية غنية». ولا يستثني بشير تعريف مايكل تودارو، مؤلف كتاب «التنمية الاقتصادية في العالم الثالث» الذي ينقل عنه تحديده لمفهوم التنمية على أنه «عملية متعددة الجوانب متضمنة للتغيرات الرئيسية في البنية الاجتماعية والمواقف الشعبية والمؤسسات القومية، وأنها في جوهرها يجب أن تمثل كل السلسلة المتكاملة للتغيير، بجانب التوفيق بين الحاجات الأساسية ورغبات الأفراد والمجموعات الاجتماعية من خلال نظام اجتماعي متكامل، والتقدم نحو وضع أفضل للحياة ماديا ومعنويا».

ما ينبغي أن نلفت النظر إليه هنا هو تطور مفهوم التنمية من إطاره التقليدي الضيق، نحو مفهوم معاصر أكثر شمولية واتساعا، والذي يحدده عضو هيئة التدريس بجامعة ناصر في ليبيا أحمد أبو لسين بأنه في جوهره يشمل «عملية متعددة الأبعاد تتعلق بتغيرات جوهرية في البُنَى الاجتماعية والمؤسساتية والسلوك العام وأيضا تسارع في عملية النمو الاقتصادي وتراجع في فجوة توزيع الدخل ومعدل الفقر، (كي تصبح التنمية) سلسلة مترابطة من التغيرات التي يستطيع النسق أو النظام الاجتماعي بكامله من خلالها الدفع بالأفراد والجماعات والطبقات الاجتماعية في ذلك النظام للانتقال من ظروف حياة توصف على مدى واسع بأنها غير مرضية إلى حالة أو ظروف حياتية ينظر إليها ماديا ونفسيا على أنها أفضل».

هذا التشعب في مفهوم التنمية هو الذي أوصل الباحثين إلى ما يشبه الإجماع على الاختلاف عندما يصل الأمر إلى تحديد مفهوم واحد للتنمية، نظرا لتعدد مقاييسها وتفاوت معدلات رصدها. فهي كما يقول عنها أحمد محمد أحمد من قسم الجغرافيا بجامعة الفيوم «نتاج كل ما يخطط له ويتم متابعة تنفيذه بطريقة علمية على مستوى الفرد والمجتمع والبيئة من مشروعات اقتصادية وخدمات اجتماعية تؤدي بالفرد ومجتمعه إلى حال أفضل وظروف معيشية أحسن».

أما محمود السكا، وهو أحد الباحثين العرب المتخصصين في شئون التنمية، فهو بعد أن يميز بشكل واضح بين «النمو الاقتصادي» و»التنمية الاقتصادية» يضع شروطا محددة للبدء في عملية التنمية الاقتصادية، دع عنك التنمية الشاملة، يلخصها في «حدوث نمو في الدخل الحقيقي المتوسط للفرد من الدخل القومي، التحسن في مستوى الرفاهية للسكان من خلال: زيادة قدرة الناس على الاستهلاك، تحسن فرص التعليم والتوظف، تحسن مستويات الصحة والتغذية، تحسن فرص السكن والخدمات العامة المقدمة مثل الماء والطاقة والنقل ووسائل الترفيه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً