شيرين عبادي فتحت ملف حقوق الإنسان في إيران من جديد... وهو بالأساس لم يغلق لكن اسم «شيرين» أعطاه زخما وبعدا سياسيا لاعتبارات تتعلق أولا بكون «عبادي» أول امرأة إيرانية تنال جائزة نوبل للسلام العام 2003 وبالتالي تحظى بسمعة دولية سرعان ما تحرك الجهات ذات العلاقة، وثانيا لأن ملف حقوق الإنسان بإيران موضوع على الأجندة السياسية للدول الغربية وخصوصا الأجندة الأميركية التي «تشتبك» معها على عدد من الجبهات.
القول إن حقوق الإنسان يستخدم في الصراعات السياسية ويزج به في إطار المواجهات القائمة بين أميركا ودول غير صديقة لها بات أمرا مكشوفا ومفضوحا، فهي تفتح المجهر والأعين على حقوق الإنسان في إيران على سبيل المثال وتغلقه عند غيرها، أي بحسب درجة العلاقة والمصلحة ومستواها وهذا ما يؤخذ على السياسة الأميركية الخارجية أنها غير حيادية بالمرة بالتعامل في هذا الموضوع مع الدول التي تنتهلك بها حرية وحقوق الإنسان.
إقفال مقر «مركز المدافعين عن حقوق الإنسان» الذي تديره «عبادي» من قبل الشرطة وتحت تبريرات واهية قضى على الأمل بوجود منظمات غير حكومية ومستقلة تدافع عن حقوق الإنسان في إيران، وتجعل من الصعب معرفة ما يجري في الداخل سوى ما يخرج من أخبار عن طريق وسائل الإعلام الرسمية والحكومية أو بـ»التهريب» وهو محل شك وغالبا لا يحظى بالمصداقية.
من الموضوعات المثارة في مجال الحريات والمنتقدة في المحافل الدولية هو: «إضطهاد الأقليات الدينية» و»فرض قيود على الصحافة والإعلام» و»قوانين مجحفة بحق المرأة» و»قضايا المعارضين السياسيين».
هذه عناوين يجري الحديث بشأنها بين وقت وآخر سواء من خلال تقارير وزارة الخارجية الأميركية أو بلدان الاتحاد الأوروبي أو المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وباتت مادة دسمة في وسائل الإعلام، فكلما أطبق النظام إجراءاته المشددة وأغلق منافذ التعبير كلما أغرى المنظمات الدولية بالعمل على كشفها وفضحها وإدانتها.
ثمة حقيقة في هذا الشأن، وهي انعدام الثقة بين النظام والأطراف الأخرى، فالنظام لديه ريبة عالية من أن المشتغلين بحقوق الإنسان يقف وراءهم جماعات ودول تعمل على استغلالهم وتوجيه السهام لها من خلالهم وهذا ما يدفع بالقائمين على السلطة الحاكمة بوضع «سدود وبلوكات» بوجههم وبتقييد أنشطتهم بل ومصادرتها واعتقال من يقوم بها.
بالطبع هذا تبرير من قبل السلطة القائمة وهو تبرير لا يلغي الواقع المر للانتهاكات التي تتعرض إليها المجموعات العربية والأقليات والمرأة والصحافة وغيرها.
الواقع المر أن إيران لم تسجل نشاطات واقعية متقدمة لحقوق الإنسان بعد قيام الثورة الإسلامية. فما كان يجري قبل العام 1979 أثناء حكم الشاه والذي شهد عمليات التعذيب وممارسة أبشع أنواع الاضطهاد للمعارضة يندى له الجبين وما حصل في الثلاثين السنة الأخيرة مازال دون المقبول وفق المعايير الدولية السائدة... لكن طوال العقود الثلاثة الماضية أخذت الدول الغربية وخاصة واشنطن على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران، فيما كان النظام يرفض الاعتراف بوجود انتهاكات، بل بادر بتأسيس «منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان الإسلامية» ومن قبل رئيس السلطة القضائية آنذاك آية الله محمد يزدي عرفت بدفاعها عن النظام ومراقبة عدم انتهاك حقوق الإنسان وإن أنيطت بها مهمة إصدار بيانات لانتهاك حقوق الإنسان في الدول الغربية وتحديدا الدول التي تدين انتهاك حقوق الإنسان في إيران! ويبدو أن الدور الذي رسم لها يصب في خدمة السلطة ويعمل على «إحباط المزاعم المغرضة والمطروحة في مجال حقوق الإنسان في إيران» مقابل إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في الإسلام.
العام 1997 وبعد مجيء محمد خاتمي لسدة الرئاسة توقع الكثيرون انتعاش نشاط حقوق الإنسان واستطاع الإصلاحيون تشكيل منظمات ومراكز مدنية للدفاع عن حقوق المواطنين ونجم عن ذلك تشكيل مجموعتين الأولى: منظمة «الدفاع عن حقوق السجناء السياسيين» وترأسها عماد الدين باقي الذي وبدلا من السماح له بالدفاع عن حقوق السجناء السياسيين تم اعتقاله بواسطة السلطة القضائية وحكم عليه بالسجن 7 أعوام بتهمة التآمر على النظام والإدلاء بتصريحات ضد قادته والثانية هي «مركز المدافعين عن حقوق الإنسان» بإشراف مجموعة من المحامين مثل شيرين عبادي وكريم لاهيجي حيث عرفت إعلاميا وسياسيا بالدفاع عن «السجناء السياسيين والجامعيين والإعلاميين والصحافيين ومسئولي وأعضاء اتحادات عمالية ومهنية».
الحكومة الإيرانية وفي فترة الرئيس أحمدي نجاد نفت أن يكون هناك أي سجين سياسي واعتبرت السجناء السياسيين والجامعيين والصحافيين أنهم «عملاء للأجانب»!
الواقع أن معظم المنظمات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان في إيران تعمل من الخارج وهذا ما يطرح السؤال عن «حياديتها « من عدمه من وجهة نظر النظام وفي نفس الوقت يكشف هشاشة الحديث وهزالة الدفاع عن موقف الحكومات تجاه حقوق الإنسان بعدما أغلقت كل الأبواب على الجمعيات المحايدة والمستقلة وفرضت عليها قيودا صارمة بالتحرك ولم يعد أمامها من خيارات سوى اللجوء إلى عواصم تؤمن بهذه الحقوق أو قد تستغلها لمصالحها.
ومن أبرز المنظمات الناشطة في حقوق الإنسان بإيران والعاملة بالخارج هي:
- منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران (مركزها بأميركا).
- منظمة الدفاع عن حقوق الأكراد الإيرانيين (مركزها في أوروبا و شمال العراق).
- منظمة الدفاع عن العرب في إقليم خوزستان (مركزها في النرويج وبريطانيا والسويد).
- منظمة الدفاع عن حقوق البلوش في إيران (مركزها في لندن وإسلام آباد).
- منظمة الدفاع عن الأتراك الإيرانيين (مركزها تركيا وجمهورية أذربيجان).
- منظمة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران (لها عدة مراكز في ألمانيا والنمسا وفرنسا والسويد وأميركا).
مواثيق وقوانين هذه المنظمات تعمل على الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الأقليات الدينية والقومية والسجناء والسياسيين وحتى أصحاب الشذوذ الجنسي»! ورفض اعتقال وسجن المتهمين قبل محاكمتهم بحضور محامين لكنها متهمة من قبل النظام بأنها أداة لدى الأنظمة التي تعمل في أراضيها وتنفذ أجندات سياسية لتلك الدول!
الدستور الإيراني يضمن حقوقا متساوية للنساء والأقليات وهذا ما يشجع عددا من الإصلاحيين ورجال الدين والمراجع الكبرى على التمسك بممارسة حرية التعبير في الرأي تحت هذا السقف وإن تعرضوا للاعتقال أو المداهمة أو الحجب أو الإقامة الجبرية بحجة الاختلاف بمسائل فقهية لا ترضي النظام ولا تسايره.
شيء آخر المراقبون الدوليون يأخذون على الحكومات الإيرانية عدم تطبيق كل المواد التي ينص عليها الدستور فعلى سبيل المثال لم تلتزم بتعليم اللغة الأم للقوميات غير اللغة الفارسية وهذا منافي صراحة لتلك الحقوق.
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أوضح أكثر من مرة موقف بلاده من الانتقادات الموجهة بعدم مراعاة حقوق الإنسان وتقارير الدول الغربية وهو موقف لا يحتاج إلى تعليق فهو يلخص السياسة المتبعة في هذا الشأن حيث قال «هؤلاء هم أعداؤنا ويتحدثون عادة بهذا الشكل، غير أن التعامل المزدوج الذي يمارسونه لا يخص إيران فقط وإنما يعد أداة لممارسة الضغوط السياسية على الدول المستقلة، توجد حاليا في أوروبا سجون خفية ويعد هذا الأمر مؤسفا بحسب معايير حقوق البشر».
وبدوره ردَّ رئيس البرلمان على لاريجاني على مناشدة الاتحاد الأوروبي في شهر مايو/ أيار 2008 باعتماد سياسات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بإيران «إن الإسلام يوصينا بمراعاة حقوق الإنسان ولسنا في حاجة إلى نصائح البرلمان الأوروبي» وتلك هي الصورة القائمة.
العدد 2350 - الثلثاء 10 فبراير 2009م الموافق 14 صفر 1430هـ