انتشار استخدامات التكنولوجيا في مجتمعاتنا الحديثة من خلال وسائطها المختلفة كشبكة الإنترنت والهاتف المحمول، انتشرت رموز ومفردات لغوية جديدة بين أوساط الشباب، أكثر المستخدمين لهذه التكنولوجيا، وتترجم هذه الرموز أحرفا عربية بعينها مثل استخدام رمز «7» الرقمي للتعبير عن حرف «الحاء»، وقد تعبر عن اختصارات لجمل لغوية كاملة، مثل استخدام مصطلحي «دلت»، و»كابير»، وهما اشتقاقان من اللغة الإنجليزية يشيران إلى أمري Delete بمعني «إلغاء ما على المسارات في الحاسب الآلي من معلومات»، و Copy بمعني «نسخ المعلومات»، كما قد تكتب الإنجليزية بالمعني الصوتي للغة العربية مثل ana وهي تعبير عن ضمير الـ«أنا» بالعربية.
وفيما أصبحت استخدامات الإنترنت والمحمول شيئا واقعيا في حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، وبخاصة بين أوساط الشباب، صارت هذه اللغة الجديدة أو ما يسمونها باللغة «الشبابية» أمرا واقعا لا يمكن تجاهله، وإزاء واقعيتها، حذر باحثون لغويون من أن هذه اللغة الجديدة تعد غزوا ثقافيا وخطرا بالغا على لغة «الضاد»، إلا أنهم طالبوا، في الوقت نفسه، بإعداد قواميس لغوية جديدة تساير العصر والتكنولوجيا، وبما يمكن معه إيجاد بدائل لهذه اللغة.
كما حذر خبراء في علم الاجتماع والنفس من أنه فضلا عن التأثير السيئ للتغريب اللغوي والثقافي اجتماعيا ونفسيا، فإن الاستخدام الخاطئ للوسائط التكنولوجية قد يؤدي إلى عزلة الشباب أسريا وتجعلهم يتجهون لنمط استهلاكي مدمر، وطالبوا بعدم تركهم فريسة لإدمان هذه الوسائط.
وعن هذه اللغة الجديدة واستخداماتها، يؤكد عدد كبير الشباب المستخدمين لها أن استخدام الرموز والأرقام في كتابة الرسائل القصيرة أو في «الشات» عبر المحادثات على الإنترنت أصبح من الضروري، مشيرين إلى أن ذلك يساعدهم على الكتابة بشكل أسرع مما يقلل من التكلفة ويساعدهم على سرعة الحصول على المعلومة التي يريدونها.
وأوضحوا أنهم يقومون بتحويل بعض الحروف باللغة العربية إلى أرقام ورموز، فعلى سبيل المثال حرف الحاء يتحول إلى رقم «7»، وحرف العين يتحول إلى رقم «3»، والهمزة إلى الرقم «2»، وتكتب الكلمات العربية كلها بالأحرف الإنجليزية.
لغة يومية
وقالوا: إن تلك الطريقة أسرع وتبقينا على تواصل مع الأصدقاء برموز لا يفهمها غيرنا، وأضافوا أنه ليس شرطا أن تكون تلك الرموز استمرارا لكنها تعطي نوعا من الخصوصية، وأشاروا إلى أن استخدام الرموز والأرقام في كتابة الرسائل القصيرة ليس لأنها طريقة سهلة بل لأنهم اعتادوا على استخدامها على رغم أنها تحتاج إلى معرفة رموز جديدة، إلا أن الملفت في الأمر أن هذه اللغة قد خرجت من المحمول والشات لتكون لغة حياة يومية، فقد قال لنا الشباب إنها أصبحت لغة تخاطب ليس فقط عبر الرسائل القصيرة، بل في توجيه رسائل مشفرة بين طلاب المدارس والجامعات بين بعضهم البعض أثناء اليوم الدراسي وبعد انتهائه.
وذهب هؤلاء الشباب إلى أن هذه اللغة المستحدثة في التعامل بينهم لا تختصر الكلمات بالأحرف فقط بل تختصر أيضا المشاعر من خلال التعبير بالرموز العددية، مشيرين إلى أن تلك اللغة التي وصفوها بالشبابية أصبحت بديلا للكلمات والحروف العربية.
وفي المقابل، حذر الباحثون من أن المشكلات الناتجة عن انتشار لغة الهواتف المحمولة والإنترنت كثيرة، مشيرين في هذا الصدد، إلى أنها ستؤثر في المستوى المعرفي والعلمي والتربوي للأجيال المقبلة فضلا عن تأثيراتها السلبية على التعليم والثقافة.
وطالبوا بضرورة دراسة الحلول الممكنة والبدائل المناسبة للحد من انتشارها دون حرمان المجتمع العربي وخاصة الشباب من أحد منجزات العصر.
لغة التفاهم وفي هذا الصدد، يصف أستاذ النحو بجامعة القاهرة عبدالحميد الشناوي لغة التفاهم المستخدمة بين الشباب، في هذه الأيام، لمراسلة بعضهم البعض عبر الرسائل القصيرة والإنترنت، بأنها لغة هجينة ومستنكرة وباتت تؤرق أولياء الأمور وعلماء اللغة.
وأضاف أن الآثار السلبية جراء استخدام تلك اللغة لا تقتصر على اللغة العربية فحسب بل تؤثر سلبا اللغة الإنجليزية بالمقدار نفسه.
وطالب الشناوي بضرورة بذل المزيد من الجهود لمواجهة الغزو الثقافي الذي بات يهدد لغتنا العربية الأصلية. وأكد أن الحاجة أصبحت ملحة للشروع في إعداد معجم آلي بالتعاون مع المجامع اللغوية العلمية العربية من أجل توحيد المصطلحات والمفردات والنصوص والرموز اللازمة لاستخدامها في جمال لغة التواصل والاتصال عبر الجوال والإنترنت لمعالجة هذا المد الجارف من الرموز والمصطلحات والنصوص الهجينة.
وتطالب دراسات علمية حديثة مجامع اللغة العربية إلى الالتفات لهذه اللغة الجديدة وفحصها ووضعها تحت مجهر علمي ونقدي وبحثي، وإيجاد البدائل المختصرة لها في اللغة العربية حتى تلبي احتياجات الشباب العربي في التعامل مع تكنولوجيا العصر الحديث، مشيرة إلى أن وظيفة هذه المجامع تطوير اللغة واصطلاحاتها، حيث إن اللغة ليست جامدة بل وتتطور مع العصر وتكتسب مع الأزمنة مفردات جديدة.
عزلة الشباب
وأشارت تلك الدراسات، التي نشرت أخيرا بالدوائر العلمية والثقافية وأحدثت جدلا، إلى أن تميز أية لغة يكمن في قدرتها على استيعاب مصطلحات جديدة تفرضها متطلبات العصر الحديث، وحذرت من أن تجاهل لغة المراسلات بين الشباب قد يدفعهم دفعا للتقليد الأعمى للغرب، ولا تقتصر المشكلة، بحسب خبراء الاجتماع والنفس، على استيراد لغات جديدة خاصة بالحاسب الآلي باستخداماته المختلفة، أو الهاتف المحمول، بل تتعدى إلى أن الخصوصية التي يتحدث عنها الشباب قد تعزلهم عن مجتماعاتهم وتواصلهم معها.
ويحذر هؤلاء الخبراء من تأثيرات هذه التكنولوجيا لدرجة قد تصل إلى الإدمان ما يؤثر بالسلب على العلاقات الأسرية في محيط الأسرة الواحدة أو خارجها، وقد يؤدي إلى التفكك الأسري والاجتماعي، فالجلوس لساعات طويلة في اليوم أمام الإنترنت يفقد الشباب قدرتهم على التواصل مع الآخرين، ويغيبهم في محيط مجتمعهم، وتصبح كل خبراتهم مكتسبة من خلال شبكة الإنترنت، وينشغلون طوال الوقت بالبحث عن آخر النغمات الجديدة على المحمول والموقع الجديد على الإنترنت، وكتابة الرسائل الـ SMS على شرائط الفضائيات، ويصرفهم ذلك، مع الوقت، عن التفكير في أي إنجاز جديد بفعل إدمانهم للتكنولوجيا والجديد فيها.
كما يحذر الخبراء من أن التكنولوجيا الحديثة ووسائطها السمعية والبصرية أصبحت تعبر عن نمط استهلاكي لما هو هامشي فيها، وينصحون أولياء الأمور بالتقرب من أبنائهم وعدم تركهم فريسة للإنترنت والمحمول والجديد في التكنولوجيا، وإدخالهم في محيط الترابط الأسري بما يكفل استفادتهم بالتكنولوجيا الحديثة في أشياء نافعة لهم ولمجتمعهم.
العدد 2346 - الجمعة 06 فبراير 2009م الموافق 10 صفر 1430هـ