ليس هناك من شك أننا في البحرين نقف اليوم أمام منعطف تاريخي. هذا المنعطف هو جزء من، أو امتداد لمنعطف تاريخي أشمل وأوسع نطاقا يقف أمامه العالم اليوم. تدلل على ذلك مجموعة من الحقائق والشواهد التاريخية القائمة، التي تتصدرها الأزمة البنيوية الطاحنة التي تعصف بالاقتصاد العالمي، والتي كشفت عن هشاشة الهياكل الاقتصادية التي لم تعد قادرة على الاستجابة لمتطلبات الاقتصاد المعرفي التي ولدتها ثورة الإتصالات والمعلومات، ثانيها العجز التي تتكشف عنه المنظمات الدولية من أمثال الأمم المتحدة التي تهمش دورها كي يكاد أن يصل إلى الغياب، وأكدت ذلك أزمات من مستوى حالات العراق وأفغانستان، بل وحتى جورجيا. تعزز من ذلك أيضا، النتائج التي تمخضت عنها إنتخابات الرئاسة الأميركية، وخسارة ماكين أمام أوباما، الذي ينحدر من أصول إفريقية بجذور دينية إسلامية، وفي نهاية المطاف نصل إلى بروز الاقتصادات الناشئة مثل الهند والصين وإزاحتها رموز لاقتصادات دولية مثل ألمانيا وبريطانيا، وتحولها إلى عمالقة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
وتدلل على أننا في البحرين نقف أيضا أمام منعطف تاريخي، مجموعة من الشواهد، من بين أهمها:
1 - التوتر بين أطراف من المعارضة والسلطة، الأمر الذي يعبر عن عودة انعدام الثقة بينهما، والتي كان يفترض أن تتعزز في مرحلة ما بعد الميثاق والدستور. هذا التوتر الذي بوسعنا أن نفسره، لكن لسنا قادرين على تبريره.
2 - تتردد القرارات الإيجابية الرسمية من دون أي مبرر ما يفقدها المبادرات الضرورية التي تحتاجها لتسيير أمورها.
3 - تمزق المعارضة وتناثرها، حتى في نطاق العقيدة الواحدة، أو في إطار الإيدلوجية المتناسقة، والتي هي الأخرى ليس هناك ما يفسره سوى مصالح فئاتها المختلفة المنطلقة من خلفيات تاريخية متخلفة.
4 - تراجع الاتجاهات المعتدلة، وتقدم، بدلا منها، التيارات المتطرفة، ذات الطروحات الحادة، التي تنحصر وظيفتها الأساسية في سكب الزيت على النار، وتأجيج أوار الصراعات.
5 - تآكل عوامل دينامية في البيئة السياسية وجمودها عند محطات توقع منه الجميع تجاوزها من أجل الإنتقال إلى مراحل أعلى منها.
وأمام المنعطفات التاريخية، تبرز مجموعة من القوى غير المتجانسة، وتبرز على السطح تحالفات سياسية، قد تبدو غير منطقية في مظهرها، لكنها متناسقة ومتكاملة في جوهرها. ويمكن تصنيف القوى التي تنشط، بوعي منها أن مجتمعها يقف أمام منعطف تاريخي، أو بدون ذلك الوعي إلى الفئات الآتية:
1 - القوى المجارفة وأحيانا تكون انتهازية، وهذه تحاول أن تتقدم الصفوف في تلك المنعطفات، من خلال ترويجها لشعارات براقة، تدعو لتحقيق مطالب آنية تدغدغ عواطف نسبة لايستهان بها من الجماهير، وتكون قادرة على الزج بها في معارك ضارية تنهك قوى تلك الجماهير وتفقدها زخمها عند الوصول إلى النقاط الحرجة في تلك المنعطفات، الأمر الذي يبيح لتلك القوى أن تجني ثمار ذلك «التهييج» الذي افتعلته، لأنها الوحيدة التي كانت قد حافظت على طاقتها في المراحل السابقة.
2 - القوى المحافظة، وهي التي تكره التغيير ومن ثم فهي تقف خائفة مرتعبة أمام أي شكل من أشكاله، مهما كان هذا التغيير طفيفا أو حتى سطحيا. لا تتوقف هذه القوى عن مساعيها لإيقاف حركة التغيير، وهي من أجل ذلك لاتتردد عن نسج أي شكل من أشكال التحالفات التي قد توصلها إلى التحالف مع القوى الانتهازية التي تتلون بلون الحليف التي تعقد صفقاتها معه.
3 - القوى المتذبذبة، وهي التي، بحكم تكوينها الاجتماعي، وفي أحيان أخرى، من جراء تجربتها السياسية، وغير قادرة على تحديد موقفها على نحو واضح وجلي منه. هذه هي من أخطر القوى أمام المنعطفات التاريخية، لأنها، وفي أوقات غير متوقعة، تباغت حلفاءها بمواقفها المتغيرة التي قد ترجح، وفي لحظات تاريخية حاسمة، كفة فئة على أخرى.
4 - القوى العقلانية الرائدة، وهي ذات المصلحة المباشرة في التغيير من خلال نظرتها المستقبلية الرائدة القائمة على تحليلاتها الصحيحة المستقاة من تجربة سياسية غنية، ومستمدة من قراءة صحيحة للواقع، بما يمثله من صراعات بين الكتل السياسية المختلفة والفئات الاجتماعية المتضاربة المصالح. هذه القوى هي الوحيدة المؤهلة والقادرة على قيادة المجتمع، بأقل الخسائر إلى بر الأمان من دون التفريط في عوامل تقدمه، ومن دون أية تضحيات غير مبررة مصدرها التهور أو أوهام حرق المراحل.
من الخطأ رسم خطوط حادة فاصلة بين تلك القوى، فالحراك السياسي - الاجتماعي، وخصوصا أمام المنعطفات يفرض التماهي بين تلك القوى، ويجبرها، بمنطق التاريخ والقوى التي تسيره، على نسج تحالفات فيما بينها، لكنها لاتستطيع إلا أن تكشف عن هويتها الحقيقية لحظة عبورها ذلك المنعطف.
إن القول إننا أمام منعطف ليس القصد من ورائه التشخيص النظري السريع، أو الدعوة السياسية العاجلة، من أجل الوصول إلى حل آني سريع للأزمة التي تقف أمامها اليوم القوى السياسية المنخرطة في الصراع المحتدم اليوم بينها، بقدر ما هو استجابة منطقية تدعو تلك القوى الصادقة منها، كي تمارس دورها الريادي العقلاني في عبور ذلك المنعطف.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2343 - الثلثاء 03 فبراير 2009م الموافق 07 صفر 1430هـ