العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ

خواطر من البرازيل: أيها السكان الأصليون... اتحدوا!

هبة رؤوف عزت Heba.Raouf [at] alwasatnews.com

كاتبة مصرية

في منتصف الليل وصلت الطائرة إلى مطار بيليم حيث يعقد المنتدى الاجتماعي العالمي هذا العام في البرازيل، هذا المنتدى الذي يتوازى مع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

وصلت للفندق عبر شوارع خالية لكن الوجود الأمني بها كثيف، فالمدينة التي وفد إليها منذ منتصف الأسبوع الماضي مئة ألف ناشط من أنحاء العالم قد تم تعزيز الأمن بها بشكل غير مسبوق لحماية المشاركين من الجمعيات الأهلية والحركات الاجتماعية والنشطاء وأصحاب القضايا المتنوعة الذين يجتمعون كل العام منذ يناير/ كانون الثاني 2001 لمناقشة قضاياهم، ووراءهم في المدن السويسرية مجموعات من المتظاهرين المحتجين على المنتدى الاقتصادي الذي يجمع نخب السياسة والاقتصاد في العالم ليكتمل النضال ضد الرأسمالية: هناك في الشمال... وهنا في الجنوب.

الجو استوائي حار ورطب وممطر، والسائق رجل شيخ لا يعرف سوى البرتغالية، لكنني ذكرت اسم الفندق ومنطقته فهز رأسه وحملني إلى هناك.

في الطريق لفت نظري ملصقات ضخمة للحزب الشيوعي البرازيلي ضد التحالف الأميركي الإسرائيلي ممثلا في كفين تتصافحان واحدة عليها العلم الأميركي والأخرى العلم الإسرائيلي يقطر منهما الدم على خلفية هي خريطة فلسطين وعلى الملصق ما استطعت فك شفرته بأنه لا ضد الحرب نعم للسلام ونعم لدولة فلسطينية. حسنا هذا استقبال لا بأس به.

أخيرا وصلت بعد 25 ساعة طيران من القاهرة لأمستردام ثم من هناك إلى ساو باولو ومن الأخيرة إلى بيليم.

سقطت نائمة واستيقظت على رسالة من ديان وزوجها بيل أنهم قد وصلوا وأن المجموعة في انتظاري في

المطعم للإفطار، وهي مجموعة بحثية تتكون من 10 باحثين من أنحاء العالم يستمر عملها لمدة 5 سنوات للبحث في مفهوم الديمقراطية العالمية وكيف يمكن تشكيل المفهوم بما يضمن مشاركة الجميع في تحديد معنى العالمية ومعنى الديمقراطية وآليات تمثيل الشعوب والبعد الثقافي للقضايا العالمية وأبعاد الإدارة والمؤسسية والشفافية والمحاسبة. المجوعة تتكون من باحثين يمثل كل واحد منهم منطقة حضارية: ففيها باحثون من: روسيا، الصين، الهند، البرازيل، الباسيفيكي، كندا، الكاريبي، إثيوبيا، انجلترا، ومصر.

كان حضور المنتدى الاجتماعي الدولي جزءا من المشروع، واجتمعنا للحضور من شتى القارات.

في الصباح جرى اجتماع للمتابعة لسير المشروع الذي مازال في عامه الأول، يبدأ أولى ندواته بالقاهرة ثم تتحرك الندوات التالية في المناطق المختلفة ليخرج منه خمس كتب ضخمة تجمع رؤى من شتى أنحاء العالم ومختلف التقاليد البحثية واللغوية، والموقع على شبكة الإنترنت بسبع لغات منها العربية.

في المساء خرجنا للعشاء على ضفة النهر الذي هو أحد أفرع نهر الأمازون، ولفتني مشهد الشارع البرازيلي من تخفف في الملابس بدرجة تثير الدهشة، فلم أر مثلها في أي بلد أوروبي من قبل، ومن كل الأعمار، والأحجام، والألوان، فالبرازيل بلد متنوع الأعراق وفي هذه المدينة وحدها يعيش عشرون عرق متجاورين.

اليوم التالي كان يوم السكان الأصليين وسكان الأمازون من القبائل، تم منحهم يوم الافتتاح لأن قضايا البيئة هي محور هذا العام في المنتدى، ففي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية من المتوقع أن يتم تجاهل قضايا البيئة ومنح الأولوية لقضايا الاقتصاد، وهو ما فعلته دافوس وحاولت البرازيل تجنبه في المنتدى الذي افتتحه الرئيس لولا وشافيز وعدة رؤساء آخرين من أميركا اللاتينية، مؤكدين عدم ذهابهم إلى دافوس كاختيار والنظر في البيت اللاتيني وكيف يمكن جمع شمله ليكون وحدة اقتصادية مستقلة عن عالم الرأسمالية الشرسة.

مع اليوم الثالث بدأت جلسات المنتدى التي توزعت بين موقعين في جامعتين، جامعة تقنية وجامعة محلية بيئية، أما الموقع الأول فقد قضينا فيه يوما كاملا نعرض فيه كمجموعة عبر أربع جلسات متتالية فكرة المشروع البحثي وفلسفته ونبحث عن رؤى وأفكار وشركاء من الجمعيات التي ترحب بتزويدنا بخبراتها من جميع أنحاء العالم ومن الدول التي لا خبرة للفريق البحثي بتجاربها.

كان ثريا جدا أن يجلس المرء في قاعة في كل لقاء أو حلقة نقاشية لا يزيد الحضور فيها عن 35، لكن تجدهم من شيلي، بوليفيا، السويد، النرويج، كينيا، البرتغال، ألمانيا، الولايات المتحدة، كندا، لبنان، البرازيل، وجنوب إفريقيا وغيرها من البلدان، ويدور النقاش لتستمع لأفكار طازجة بعضها من شباب مازال في المرحلة الثانوية في تلك المدينة التي أقبل سكانها على المنتدى ليقابلوا النشطاء والحضور ويستفيدوا بل ويلتقطوا صورا تذكارية مع من يرتدون أزياء غريبة من بلدان بعيدة... مثلي.

لكن المنتدى تجاوز الغرف المغلقة لخيام مفتوحة تضم المئات، خطب عن حركات المرأة هنا، وخيمة عن حقوق البيئة وحقوق الحيوان هناك، وتجمع ضد استخدام التكنولوجيا الوراثية في احتكار إنتاج البذور الزراعية، وعرض فني لسيدات مسنات من بيرو يرقصن في شكل جماعي بثياب طويلة وزاهية، وغيره وغيره.

المنتدى كان فرصة لوضع مطالب السكان الأصليين وحقوقهم في الأرض التي يسكنونها والموارد التي يعيشون منها ولزوم اعتراف الحكومات بهم بدلا من منح الشركات الأجنبية حق استغلال الغابات بما أدى لتآكل الثروة الخشبية الطبيعية وتدمير تلك المجتمعات التي تعيش في الغابات.

سألني أحدهم: ما هو الهدف الذي تدافعين عنه في المنتدى، فتأملت قليلا، هل أختار الهدف البيئي أم حقوق الإنسان أم حقوق الشعوب في تقرير المصير ومنها جبهة البوليزاريو في الصحراء المغربية والتاميل في سري لانكا والفسطينيين بالطبع الذين امتلأت أركان المنتدى بحملات لمحاكمة مجرمي الحرب في غزة وتم جمع عشرات الآلاف من التوقيعات.

قلت له في النهاية: جئت أدافع عن حقوق السكان الأصليين في العالم العربي. لم يفهم وابتسم بأدب ثم تركني وأسرع للحاق بندوة تهمه.

نعم... نحن السكان الأصليون في العالم العربي نحتاج لأن نناضل من أجل حريتنا وأراضينا، فالفلسطينيون هم السكان الأصليون لأرض اغتصبها الكيان الصهيوني، والعراقيون هم السكان الأصليون لوطن يحتله الغاصب الأميركي، وكل شعوب العالم العربي سكان أصليون لأنظمة ونخب حاكمة توشك أن تحولهم لهنود حمر وتخرجهم من التاريخ لفشل برامجها الاقتصادية وتحالفاتها السياسية واستئثارها بالسلطة والثروة التي لم تثمر إلا فقرا وتهميشا للغالبية من الناس.

هل نحتاج لريش نضعه فوق روؤسنا كالذي رأيت رجال القبائل في الأمازون يحملونه على رؤوسهم، وهل سننتظر حتى يبلغ بنا الفقر مبلغ أن نمشي شبه عرايا كما يمشون وقد صبغوا أجسادهم وأمسكوا برماح لم تعد تحميهم من شراسة الجيوش والكروش التي لا تعرف إلا لغة المال واستثمار شركات الأخشاب (أو النفط) العالمية حتى لو تآكل رصيدنا من المساحات الخضراء في العالم وانهارت نوعية البيئة التي نعيش فيها عالميا وزاد التلوث البيئي والأخلاقي والسياسي؟

في البرازيل تعلمت أن علينا أن ننفتح على قضايا الآخرين لأنهم يدافعون عن قضايانا، فهذه الحركات هي التي تحرك المظاهرات في عواصم العالم دفاعا عن فلسطين والعراق، أما نحن فلا نبالي بقضاياها وهمومها.

هناك أيضا عرفت كيف أن الوجود العربي الإسلامي يكاد يكون شبه معدوم في القارة اللاتينية، وفي حين تنشط الكنائس في تقديم خدماتها وصلواتها بل وتتنافس الآن المذاهب المختلفة من إنجيلية وكاثوليكية وكنائس مستقلة، فإن المراكز المعدودة والمحدودة للدعوة الإسلامية لا تفي بأي قدر أدنى من الواجب الملقى على عاتقنا تجاه العالمين.

منذ 4 أعوام كان هناك قمة عربية - لاتينية للتعاون لم يحضرها رئيس عربي واكتفوا بارسال وزراء، ولم تثمر عن شيء، والقارة ترحب باستثمارات الدول العربية، لكننا نعشق الاستثمار في البورصات الغربية ونخسر أموالنا في الأزمات... ولا نتعلم.

العالم واسع، والحضور العربي محدود في مساحات ومنتديات الجنوب، ومن يحضر يكون في الغالب من أحزاب اليسار وبقايا الاشتراكيين، ولهم كل الاحترام والتقدير، لكن التيار الوسط والأكبر من الحركات الاجتماعية العربية والإسلامية غائب غائب.

قارنت هذا المشهد المزدحم بالبشر والقضايا والهموم بمشهد المنتدى الاقتصادي العالمي الذي حضرته في دافوس من قبل، وفهمت حين كنت في دائرة النخب التي تحكم العالم كيف أنهم لا يرون عالمنا هذا بالمرة إطلاقا... البتة... ولذلك فلا ينبغي انتظار منحهم الحقوق بل ينبغي انتزاعها انتزاعا، ساعتئذ سيكونون على استعداد للتفاوض.

السياسي الأوروبي الذي يجلس ليأكل الكافيار على قمة جبال الجليد غارقا في التنعم والرفاهية محتسيا خمر القوة لا يرى الغارقين في عرقهم في أحراش الأمازون... أو الغارقين في دمائهم في غزة... أو الغارقين في فقرهم في مومباي... لا يراهم... لا يراهم... لا يراهم.

يا عمال العالم اتحدوا قالها ماركس، يا فقراء العالم اتحدوا قالتها حركة عدم الانحياز في الستينيات ومنتديات الحركات الاجتماعية في الألفية الجديدة، ويا سكان العالم الأصليين اتحدوا نقولها اليوم، اتحدوا قبل أن تتحولوا في ظل الاستبداد وتغيير خرائط البلاد وتشتيت العباد أشتات إلى... هنود حمر جدد.

من البرازيل أحييكم... من عالم آخر بعيد... قريب. من أميركا اللاتينية لكم سلام برتغالي صميم. اتحدوا... اتحدوا... اتحدوا... أو موتوا.

إقرأ أيضا لـ "هبة رؤوف عزت"

العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً