قبل أيام وافقت هيئة تنطيم الاتصالات في البحرين على منح شركة الاتصالات السعودية (STC) الترخيص الثالث، بعد شركتي «بتلكو» و»زين»، لتشغيل خدمات الهاتف الجوال في البحرين. تأتي هذه الخطوة في سياق خطة متكاملة تبنتها الهيئة التي تأسست بموجب المرسوم بقانون رقم 48 لسنة 2002 بإصدار قانون الاتصالات، وهي هيئة مستقلة وتشمل واجباتها وصلاحياتها، من بين أمور أخرى، حماية مصالح المشتركين والمستخدمين وتعزيز المنافسة الفعالة والعادلة بين المشغلين الحاليين والجدد الذين يمنحون حق ممارسة أنشطة في ميدان الاتصالات وأسواقها. وقد نجحت الهيئة في وضع استراتيجية دشنتها في العام 2005، وماتزال تعمل على تطويرها منذ تأسيسها في مطلع هذا القرن.
ويعتبر تحرير سوق الاتصالات من أعقد الإجراءات التي يمكن أن تقدم عليها أية حكومة أو دولة نظرا لطبيعة نشوء وتطور صناعة الاتصالات ذاتها هناك. إذ نشأت تلك الصناعة وتطورت حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، شأنها شأن أمور أخرى مثل شق الطرق والتعليم والخدمات الصحية، في أحضان الدولة وانغرست في أذهان الكثيرين منا فكرة أن الدولة ومؤسساتها، هي الجهة الوحيدة المخولة والمؤهلة لتأسيس وإدارة هيئات أو شركات الاتصالات. هذا النمط من التفكير أرسى أرضية صلبة أطلقت يد الدولة حرة في سوق الاتصالات وحرمت القطاع الخاص، ولعقود طويلة من الزمن، من الاستثمار في أو الاستفادة من هذه الصناعة.
وتثبت الشواهد الحية على أن تحرير سوق الاتصالات يفتح المجال واسعا أمام الكثير من الظواهر الإيجابية لصالح الدولة والمواطن في آن، ومن أهم تلك الفوائد يمكن جرد الآتي:
1. توسيع حجم السوق، إذ إنه من الطبيعي أن يقود دخول لاعب جديد أو أكثر إلى توسيع حجم السوق، التي كانت قبل ذلك حكرا على مزود واحد للخدمة دون سواه. فالقادم، أو القادمين الجدد مضطرين إلى زيادة عدد المشتركين كي تتضاعف حصتهم في تلك السوق. تؤكد هذه الحقيقة دراسة قامت بها شركة «زاوية.كوم»، ونشرتها جريدة الخليج الإماراتية في عددها الصادر بتاريخ 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2008. حيث أوردت بالأرقام مدى الأرباح التي حققتها خمس شركات عربية تعمل في أسواق الشرق الأوسط مثل: زين الكويتية، وأوراسكوم المصرية، وكيوتل القطرية، وإس تي إس السعودية، واتصالات الإماراتية
2. تطور الخدمات والارتقاء بمستواها. إذ يؤدي فتح الأسواق إلى دخول منافسين جدد، من بينهم شركات عالمية، كما حصل في قطر التي حصلت شركة فادفون البريطانية على الرخصة الثانية لتشغيل خدمات الاتصال بما فيها خدمات الهاتف الجوال. وفي البحرين أحسّ المواطن بالتحسن النوعي في خدمات الاتصالات منذ العام 2005، وهو العام الذي تم فيه تحرير سوق الاتصالات البحرينية. ولكي لا يفهم قولنا على نحو خاطئ، فقد شهدت خدمات شركة اتصالات البحرين «بتلكو» تقدما نوعيا في الخدمات التي تقدمها، ترافق ذلك مع تخفيض ملحوظ في بعض تلك الخدمات، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالإنترنت. لقد أدت المنافسة الشريفة بين «بتلكو» و»زين»، وغدا ستشمل تلك المنافسة شركة «سي تي إس» السعودية إلى تطوير الخدمات القائمة، وخفض أسعار البعض منها، بالإضافة إلى إدخال خدمات أخرى متقدمة لم تعرفها السوق من قبل مثل خدمات الواي ماكس.
3. فتح أسواق جديدة، وهي مسألة طبيعية، فبدلا من ان تقبل الشركات التي كانت محتكرة للسوق القادمين الجدد كي يقتحموا أسواقها، بادرت هي توسيع نطاق الخدمات التي تقدمها في نطاق سعيها للدخول إلى أسواق جديدة. هكذا وجدنا بتلكو تلج أسواق مصر والأردن بعد السعودية، وزين وكيوتل تصلان إلى الأسواق الإفريقية العربية منها مثل تونس، وغير العربية مثل جنوب إفريقيا.
هذه الظاهرة الجديدة تولد معها متطلبات جديدة من أهمها وضع القوانين والأنظمة التي من شانها أن تحمي المستهلك أولا من احتمال قيام كارتيل أو ما يشبه الكونسورتيوم بين تلك الشركات يحدد الأسعار، ويوصف الخدمات. ولذلك يجد المواطن نفسه أسير فريق قوي من مجموعة من الشركات، بعد أن كان ضحية شركة احتكارية واحدة فقط.
المحذور الثاني هو أن يقوم هذا التجمع، ونظرا لكبر حجمه وقوة عضلاته وضخامة إمكاناته المالية والبشرية المعززة بتحالفاته الدولية، بالتهام أو إذابة أو إزاحة الشركات المتوسطة والصغيرة العاملة في المجال ذاته. وقد شهدت الأسواق الغربية، وخاصة الأميركية حالات كثيرة من هذا القبيل. تنجح التجمعات العملاقة في تحقيق ذلك من خلال التحكم في الأسعار أو الاستحواذ على حق تقديم خدمات معينة ذات القدرة الترويجية الكبيرة، بعد أن تحرم الشركات الصغيرة والمتوسطة من إمكانية تقديمها كجزء من الخدمات التي تقدمها.
وأحد صمامات الأمن الفاعلة التي يمكنها أن تمارس أفضل أشكال الحماية هو تأسيس جمعيات حماية المستهلك من جهة، وإعطاء هيئات تنظيم سوق الاتصالات سلطات تشريعية وإجرائية قوية تمكنها من أداء هذا الدور، على أن يترافق ذلك مع تمتع تلك الهيئات بأعلى درجة من الشفافية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2334 - الأحد 25 يناير 2009م الموافق 28 محرم 1430هـ