أنهت قمة الكويت العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية أعمالها، بعد يومين من المباحثات الشاقة والمضنية بين الرؤساء والقادة العرب، بقائمة طويلة من القرارات، التي توقفت عند كل القضايا، فبدأت بتخصيص ملياري دولار لإعادة إعمار غزة، وعرجت على الأزمة المالية العربية كي تحط رحالها عند «المرأة لتمكينها والشباب للنهوض به وتأهيله لاستكمال مسيرة التنمية دون ان تستثني «إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، وقضايا أخرى كثيرة مثل السكك الحديدية، والأمن الغذائي والبطالة»، لكنها، فشلت في أن تخرج بمسائل محددة مربوطة بمشروعات واضحة وجداول زمنية دقيقة.
تقييم هذه القمة كان يمكن أن يكون مختلفا لو أنها عقدت في مطلع الستينيات من القرن الماضي، عندما كانت بعض البلدان العربية، وخاصة الخليجية منها، ماتزال مرتبطة بعلاقات شبه استعمارية مع دول مثل بريطانيا، وحينما كانت الجزائر تواصل كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي، ومصر مستمرة في كنس ذيول معارك العدوان الثلاثي وانعكاسات الحرب الباردة على مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط، بما فيها العلاقات المصرية-الأمريكية، دون أن نهمل حرب اليمن وتوتيرها للعلاقات المصرية-السعودية.
هذا على المستوى السياسي، أما على الصعيد الاقتصادي، فباستثناء الكويت، لم تكن المنطقة قد عرفت بعد أيا من أشكال فورة أسعار النفط، بل إن البعض منها، مثل قطر وأبوظبي، كانت بالكاد قد ولجت مرحلة الوعود باكتشاف النفط. وكان الاقتصاد العربي في مجمله زراعيا، بعيدا عن أي شكل من أشكال التصنيع الجاد، إذا استثنينا مصر التي كان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قد بدأ في تدشين حلوان كمنطقة صناعية، وشرع في الحديث عن مشروع « السد العالي» الذي هو الآخر كان مشروعا سياسيا أكثر منه مشروعا اقتصاديا أو تنمويا، بالمعنى الدقيق لكلمتي تنمية واقتصاد.
وعودة لقمة الكويت، فمن الجلي أن الإنجاز الوحيد الملموس الذي بوسعنا الحديث عنه هو «تجميد» وليس»إنهاء» الخلافات العربية. فبعد الملاسنات الإعلامية بين القادة العرب التي سبقت القمة، أو بالأحرى القمم، العربية، التقى العرب في الكويت كي يعقدوا جلسة ضمت القادة المختلفين فيما بينهم، دون أن ينعكس ذلك إيجابيا على القرارات التي خرجت بها القمة والتي كانت في غاية العمومية، ودون أي تحديد دقيق لمهام محددة يتم إنجازها في فترت زمنية واقعية تتناسب وكل الضجيج الإعلامي الذي سبق القمة، والتي أوهمت المواطن العربي أنها ستكون « القمة العربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية».
ولنبدأ بموضوع «غزة» التي اضطرت القمة إلى التوقف عنده. إذا استثنينا قرارات الإشادة بصمود الشعب الفلسطيني وتضحيات الجماهير الغزاوية، وتخصيص ملياري دولار لإعادة إعمار غزة، بوسعنا القول أن القمة قد فشلت في وضع إطار صحيح وقابل للتطبيق، لوضع حد للخلافات الفلسطينية - الفلسطينة، والتي كانت من أهم الأسباب التي شجعت إسرائيل على شن هجومها البربري على غزة التي لا تزال تنزف. بل حتى ذينيك المليارين، ليست هناك خطة محددة المعالم لأوجه صرفهما وقنوات إيصاله للجهات التي تحتاجها، مؤسسات كانت أم أفرادا، أو لإدارات السلطة أم لوزارات «الحكومة المقالة».
وإذا أمعنا النظر في القرارات بشأن التنمية والأمن الغذائي والشباب والمرأة... إلخ، فسوف نكتشف مرة أخرى أنها سائبة إلى درجة التمنيات أو الموضوعات الإنشائية التي لم تخرج من إطار أي من قرارات القمم العربية السابقة.
إذا صح لنا أن نقيم هذه القمة، فيمكننا أن نقارنها بأول قمة عربية عقدت في العام 1964 في القاهرة، وادعى القادة العرب حينها أنها عقدت من أجل فلسطين، لكنها كانت في حقيقة الأمر لمعالجة الصراع المسلح الناشب بين مصر والسعودية، وكانت اليمن ساحة ذلك الصراع، بعد الانقلاب الذي قاده الرئيس الراحل عبدالله السلال ضد الأسرة المالكة.
وقتها جمدت القمة تلك الصراعات، لكنها لم تستأصل شأفتها، فوجدناها تندلع في بلدان عربية أخرى، وتشمل عواصم عربية أخرى. فكانت السبعينيات مسرحا خصبا لتلك الخلافات توجت بما جرى في أعقاب زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى «إسرائيل»، وما تلاها من توقيع اتفاقيات كامب ديفيد التي أجهضت قمة بغداد شقت الصف العربي لمدة زادت على عقد من الزمان.
اليوم، وبعد ما يزيد على نصف قرن على قمة المصالحة العربية بين مصر والسعودية تنعقد قمة جديدة تحت شعار مختلف تماما عن جدول الأعمال الحقيقي الذي ناقشته، ومرة أخرى لم يقرأ المواطن العربي أكثر من عناوين إعلامية امتلأت بها الصفحات الأولى في الجرائد العربية، كان يفترض فيها أن تكون عناوين لاستراتيجية تنموية محددة تنقل الوضع العربي من حالته المتردية الراهنة إلى مستقبله المزهر الذي يتمناه له كل مواطن غيور.
وإلى أن يحين ذلك، لايمكننا أن نطلق على هذه القمة سوى أنها كانت قمة المصالحات العربية التي عالجت أعراض تلك الخلافات، وعجزت عن التوقف عند أسبابها، التي لن تلبث أن تعود إلى السطح من جديد، كي يدخل العالم العربي في دورة خلافات جديدة بحاجة إلى قمة أخرى، أسبابها في علم الغيب، ونتائجها تكاد أن تكون معروفة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2330 - الأربعاء 21 يناير 2009م الموافق 24 محرم 1430هـ