استعرضت عبر مقال سابق نشر تحت عنوان «اعترافات خطيرة مجهولة المصدر» الاعتراف الخطير من خلال الأخت المعترفة وما سطرت يداها المذنبتان من أخطاء إدارية وممارسات شنيعة في حق الإدارة المؤتمنة عليها وفي حق من يعمل معها، وبعيدة عن أعين الإدارة العليا، لأن الثقة الكبيرة ووضعها في المكان الخطأ هي سر أغلب البلاوي الإدارية، ففي النهاية كل فرد فينا لديه عينان فقط، وعلى رغم أن لدينا فقط يدينا إلا أننا بهما نستطيع أن نقترف أبشع الجرائم ونسطر بهما أتعس القرارات وأظلمها لأهداف اجتماعية ولأسباب نفسية غير سوية.
انتهت الاعترافات الخطيرة على لسان المعترفة مجهولة المصدر والتي أسمت نفسها «ندى» والتي لم تكن ندية في معاملاتها ولا ممارساتها الإدارية بانتهاء الرسائل الإلكترونية التي سطرتها يداها، وكانت تظن أنها عندما تعترف اليوم فإن ذنبها اغتُفر لها، ولكن لا ذنبها غُفر لها ولا قصة الفساد التي عبرت عنها انتهت، فالقصة لم تنتهِ بانتهاء الاعتراف الخطير، بل لاتزال سمومها تنفث في تلك الدائرة، وستظل كذلك إلى أن تستقيل من نفسه أو تقال من خلال قرار جريء، لأن الموقع الإداري المعطى لها عار وخطأ إداري كبير لا يغتفر إلا من خلال مغادرته.
يبدو لنا من خلال ما نسمعه من مآسٍ إدارية ومما نلامسه أيضا من ممارسات إدارية قاتلة لكل عوامل وأسباب الإبداع ومما قرأناه، فإن هناك بالفعل عبيد للمناصب الإدارية المرموقة وهناك أيضا آخرون باحثون عن الوجاهة الاجتماعية وهناك عَبَدة للدنانير والأرصدة البنكية، يبدو أنهم أكثرهم عرضة للفساد الإداري والمالي من غيرهم من الإداريين، إحدى القارئات يظهر أنها تفاعلت كثيرا مع ما كتبته عبر المقالين اللذين نُشرا في الأسابيع السابقة بعنوان «إبداع في تطفيش الكفاءات»، فكانت أن دخلت الموقع الإلكتروني للجريدة وتركت تعليقات مطولة حكت من خلالها اعترافات بالجملة، أقرت من خلال ما ذكرته من فضائع شنيعة في حق من تولت عليهم، وللموضوعية قد قررت أن أنشر اعترافاتها الإدارية الخطيرة عبر مقال سابق لأن الإدارة العليا لم تشعر يوما بكل ما اعترفت به؛ لأنهم نائمون في سبات عميق، وجدت أنه من مسئوليتي أن أنشر اعترفاتها لتكون عبرة لمن يعتبر ولأن الثقة غالية، ينبغي أن تهتز لدى البعض وخصوصا الذين تبدو عليهم علامات واضحة وفاقعة، وهناك شكاوى مختلفة عليهم ومن أناس أكثر ثقة ممن نثق بهم ونمكنهم ونضعهم في مواقع حساسة.
وعلى رغم أن المتعارف عليه أن الاعتراف بالذنب فضيلة ولكنها الأخت المعترفة قد نست أنني لست ممن يتوجب عليها الاعتراف لها، ولكن ينبغي عليها أن تعترف بكل ذنب اقترفته بيدها لكل من ظلمتهم ولكل من تسببت في إقصائهم وتهميش أدوارهم ولكل من زرعت في نفسه إحباطا ولكل من قتلت في نفسه إبداعا، ولكل من ذبلت إرادته وضاع حماسه وسط الزحام، ولن يكفيها ذلك من الاستغفار إلى الله تعالى على كل عمل مشين قامت به أو تسترت عليه فالظلم شين والظلم ظلمات يوم القيامة.
يبدو أن المعترفة إلكترونيا أصابتها هيستيريا اضطرتها إلى الاعتراف ولكنها بطبيعة الحال خانتها جرأتها وشجاعتها عندما قدمت اعترافاتها كاملة مسجلة بقلمها وبيدها، فضّلت استخدام اسم مستعار «ندى أحمد» وكم من امرأة على تراب هذا الوطن تحتاج إلى حمى الاعتراف، والأهم من هذا كله تصحيح المسار النفسي الخطأ إلى المسار الإداري السليم وإلا عليهم مغادرة موقعهم الذي كلفوا به وتركه إلى من هو أكفأ منهم.
فكم من إداري سيئ قد فضحته الكثير من ممارساته الإدارية السيئة التي لا تليق به، وكم من إداري سيئ ستر الله عليه وينتظر منه لحظة اعتراف واستغفار! ولكنه في غمرة انشغاله وتشغاله بالمؤامرات والمكائد لجني ثمارها الإيجابية لصالحه وتوريط الآخرين بذنوب لم يقترفوها. وكم من كفاءة قد غابت عن مواقع حساسة ومهمة بسبب الأمراض النفسية والاجتماعية التي تعاني منها بيئات العمل وسلطة الإداريين المفلسين، وكم كان مقدار تأثر الميادين بغيابهم وحجم الخسائر الفادحة، بسبب الإقصاء الإداري الممارس والممنهج ضدهم؟ وبسبب سوء الإدارة وسوء استغلال الموارد البشرية، وبسبب مشاعر الحقد والحسد والكراهية غير المسبب والناتج عن ضعف وقصور.
فهناك ضحايا كثيرون لو يحاولون الدخول إلكترونيا ليكتبوا ما تعرضوا له من إقصاء وتهميش ومحاربة لما انتهت معاناتهم، وبالمقابل لو تركنا المجال أيضا لاعترافات المذنبين لما انتهينا على رغم أن أغلبهم جبناء ولا يطيقون الاعتراف حتى في قرارة أنفسهم، فالجرأة وحدها تجتمع عند المؤامرات الإدارية ضد الكفاءات وضد المبدعين، فالفشل وحده سيد الموقف لدى الفاشلين الإداريين
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2330 - الأربعاء 21 يناير 2009م الموافق 24 محرم 1430هـ