العدد 2329 - الثلثاء 20 يناير 2009م الموافق 23 محرم 1430هـ

أوباما: تغيُّر في الأولويات وأولوية المصالح الأميركية (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

طرحت مارينا أوتواي، بعد استعراضها لجوانب الفشل في سياسة بوش أن الأولوية لدى أوباما هي معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية - ولذلك لن يتسهلك رأس ماله في معالجة قضية الشرق الأوسط المزمنة، وقضية الديمقراطية المتعثرة. كما انه على رغم كون أوباما يتمتع بغالبية في المجلسين الشيوخ والنواب، الا انه يحتاج إلى دعم هذا المجلس لإقرار برنامجه الصعب لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، والتي تتطلب اجراءات غير شعبية ولذا لن يدخل أوباما في مواجهة أو حتى عدم وفاق مع الكونغرس المؤيد بشدة لـ «إسرائيل»، فيما يتعلق بمعالجته لقضية الصراع العربي الاسرائيلي وباعتقاد أوتواى ان أولويات اوباما في الشرق الأوسط هي العراق وافغانستان وإيران، ولذا قد يكون الصراع العربي الاسرائيلي على أولوياته في ولايته الثانية وعلى رغم عامل الضغط الذي تمثله الحرب الاسرائيلية ضد غزة، وعلى رغم الرئيس أوباما بأنه سيكون مستعدا لمعالجتها منذ اليوم الأول لولايته، إلا أنه يتوجب ألا تكون لدى العرب أوهام في انحيازه للحق العربي على حساب «إسرائيل» بل إن اقصى ما يؤمل منه هو السعي لتهدئة طويلة الأمد، ومدى انغماس إدارة أوباما في العملية السلمية بكل سيئاتها رهن بإرادة العرب وجديتهم.

لكن طبيعة تشكيلة الطاقم الأمني (هيلارى وجيتس وجونز) وتعيين دينس روس على رأس فريق الشرق الأوسط، وايمانويل الصهيوني كبير طاقم البيت الابيض، لا يدل على تحول محتمل في السياسة الأميركية التقليدية المنحازة لـ «إسرائيل». طرح توماس كاروثر ان أوباما بفعل خلفيته الثقافية والاثنية الاسلامية العالم ثالثية، وأصوله الإفريقية، وبرنامج التغيير الذي طرحه، والتأييد الكاسح الذي حصل عليه، يعني ان لديه تفويضا قويا بالتغيير ومواجهة اخطر أزمة اقتصادية واجهتها الولايات المتحدة؛ ولذلك سيسعى أوباما في الوقت الذي سيكرس فيه جهده الرئيسي للاقتصاد الاميركي، فإنه سيسعى إلى اشراك اطراف اخرى في تحمل اعباء السياسة الخارجية، كما انه سيتجه إلى منطقة الوسط بمنطق برغماتي، بعد ان ذهب بوش بعيدا في التفرد والتطرف بمنطلقات أيديولوجية يمينية، من هنا ولاعتبارات اقتصادية، فسيعمل بوش لتأمين الإمدادات النفطية بسعر متهاود، وهنا تكمن أهمية السعودية والدول العربية النفطية الاخرى؛ ما يعني ان أجندة بوش بفرض الديمقراطية بمفهومها الغربي ليست على جدول أعماله، والذي سيركز أوباما على الاصلاحات الاقتصادية، والاصلاحات المحدودة التدريجية، والحد من الانتهاكات لحقوق الانسان، وليس التبشير بها بطريقة استعراضية خطابية، بل بطريقة هادئة متدرجة تستوعب خصوصيات المنطقة.

وبالنسبة إلى قضية الشرق الأوسط فيتوقع ان يكون أقل انحيازا لـ «إسرائيل» بعد أن وصل بوش بسياسة الولايات المتحدة للتطابق مع السياسة الاسرائيلية كما هو واضح في حربيها ضد لبنان في 2006 وكما هو حاصل في غزة. لكن اوباما كما بوش يعتبر حزب الله وحماس منظمتين ارهابيتين، وضمن محور إيران سورية. لكن أوباما على استعداد للتفاوض مع إيران التي يحتاجها لانسحاب منظم من العراق، وتسوية محتملة في أفغانستان كما انه على استعداد للتفاوض مع سورية للاسهام في ترتيب الأوضاع في العراق والابقاء على الوضع القائم في لبنان، وأي تسوية بين «إسرائيل» والفلسطينيين. لما لها من نفوذ على القوى في البلدان الثلاث.

وسيظل هدف اوباما كما بوش منع إيران من تطوير برنامجها النووي لامتلاك السلاح النووي، لكن خلافا لبوش فهو مستعد للدخول في مفاوضات معها مع استخدام المزيج من الاغراءات والضغوط.

وخلافا لبوش، فإن أوباما يؤمن بالدبلوماسية المتعددة الاطراف، أي اشراك أطراف أخرى وخصوصا أطرافا محلية ودولية، مثل الاتحاد الاوروبي وإعطاء دور أكبر للأمم المتحدة لمعالجة المشكلات الاقليمية والدولية وفي مقدمتها قضية الشرق الأوسط.

كبير الباحثين عمرو حمزاوي تناول في ورقته اشكالات أربعة تواجه الرئيس المنتخب أوباما، أو ما يعتبره الخيار ما بين ثنائية المتضادات وهي:

1 - الخيار ما بين القوى المستفيدة من التحول الديمقراطي وهي بمعظمها إسلامي معاد للولايات المتحدة والانظمة الحليفة.

2 - ثنائية محوري ما يعرف بالاعتدال والتطرف للقوى الاقليمية.

3 - ثنائية الصديق أو العدو المحتمل للحركات الديمقراطية.

4 - كيف تقرأ الولايات المتحدة مصالحها قصيرة الأمد مقابل المصالح طويلة الأمد.

في الموضوع الأول أكد حمزاوي ان صراعات القوى الاقليمية هي المهيمنة على تطورات المنطقة وتحظى بالاهتمام الأكبر وليس حقوق الانسان، واستدل على ذلك على قدرة الحرب الاسرائيلية ضد غزة، بما تثيره لدى العرب والمسلمين من حمية ومشاعر جياشة في تحريك الملايين إلى الشوارع، بينما لم تتحرك هذه الملايين دفاعا عن الديمقراطية أو حقوق الإنسان. كما استدل على ذلك عما يعتبره تأييدا طاغيا لـ «حماس» لبطولاتها الوطنية دون الاهتمام بسجلها في حقوق الإنسان.

وفي الموضوع الثاني أكد حمزاوي ان هناك انفصاما ما بين الحكومات العربية والحركات الشعبية وأن النظام الرسمي عاجز تماما في معالجة الأزمات الداخلية والأزمة القومية وبالنسبة إلى الموضوع الثالث فإن المفارقة تكمن في كون العدو المحتمل في المعارضة الحركات الاسلامية هي القوية والجماهيرية، في حين ان الصديق المحتمل وهي الحركات الليبرالية ضعيفة ومعزولة.

أما مقاربة الموضوع الرابع، فهي طغيان المصالح النفطية على الاعتبارات المبدئية للديمقراطية وحقوق الانسان، لذلك تستحوذ بلدان على اهتمام أوباما من دون غيرها حيث يمكن تحقيق نجاحات بثمن زهيد ومن دون اشكالات مثل المغرب ودارفور واليمن، في حين سيبتعد عن بلدان اشكالية مثل مصر والسعودية.

وبالنسبة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، فيعتقد حمزاوي انها ستظل هدفا لسياسة أوباما ولكن ليس بالأسلوب الاستعراضي الاستفزازي نفسه لبوش ولكن بطريقة هادئة وتدريجية. لكن التحول الأبرز لأوباما هو سياسته تجاه الحريات والحقوق المدنية والمساواة في أميركا ذاتها، وبالتراجع عن القوانين السالبة للحريات وتوجهه لإغلاق سجن غوانتنامو والسجون السرية الأخرى.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2329 - الثلثاء 20 يناير 2009م الموافق 23 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً