العدد 2327 - الأحد 18 يناير 2009م الموافق 21 محرم 1430هـ

أزواج يشكّون ويتجسسون

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

بسيل جرار وجارف من الأسئلة المؤذية ينطلق الرجل أحيانا مستقبلا زوجته المتهيئة لاستقباله واحتضانه، من اتّصل هاتفيا حال غيابي؟

مع من تحدثتي اليوم؟

ما دام الصوت صوت رجل فلمَ لم تقفلي خط التلفون؟

هل جاء أحد للمنزل أثناء غيابي؟

هل ذهبتي لزيارة أحد من صديقاتك؟

وهل كان أحد من الرجال في المنزل حال زيارتك؟

مقابل أسئلة الرجل هناك عشرات الأسئلة تمطرها المرأة على زوجها، لماذا تحدثت مع تلك، ولما استقبلتها؟ ولماذا تذهب في مشاوير عملك معها؟

ولماذا تتحدث بالهاتف بعيدا عنا؟

إلى آخر القائمة التي لاحد لها تقف عنده.

الشك الزوجي مشكلة معقدة وتجاوزها ليس سهلا، فهي تمس الشرف، وتحط من الكرامة، وتحيط المتهم من الزوجين بحالة من الإحباط والمرارة، وهي ذات تشعبات مريعة ترمي بثقلها على كل تفاصيل الحياة الزوجية، وقد تصل أحيانا إلى الإقدام على الانتحار والذهاب إلى الموت بقلب بارد بغية التخلص من وهم العار وشناعة التهمة.

لنتمعن في سؤال قدمه أحد المصابين بهذا المرض لموقع الشيخ عبدالعزيز بن باز، يقول السائل:

أنا متزوج من 15 سنة، لدي 8 أطفال مشكلتي أنني أشك في زوجتي ما جعلني أعيش في هم وغم أشك فيها بالخيانة ذلك الشك جعلني أفكر أحيانا بطلاقها أو الانتحار أو قتل الزوجة وأشك في أولادي أنهم غير عيالي وأشك في بعض الناس أنهم يخونوني في زوجتي وخاصة عند غيابي وعندما أكون موجودا يكون سلوك زوجتي جيدا تحافظ على الصلاة وتأمر الأطفال بالصلاة والمواظبة عليها وعند ما أكلمها عن الخيانة تقول الله حسيبك وأقول في نفسي أنني ظلمتها أرجو إرشادي إلى الحل أنا في حيرة علما أن عملي بعيد عن البيت ما يجعلني أتغيب لمده طويلة.

لن أذهب للجواب في الموقع المذكور، بل سأستحضر كلاما مهما يشرح أبعاد مرض الشك الزوجي بين الرجل والمرأة وأثره على الأسرة بشكل عام، حيث يؤكد الدكتور زكي عثمان - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر- على أن «الشك بطبيعته يؤدي إلى قتل المودة واختناق العاطفة وتدمير الرحمة، والشك بطبيعته أيضا يكون بينه وبين الاستقرار عداوة، وبينه وبين الأمن الأسري حرب شرسة لا تنتهي، ويكون بينه وبين الطلاق علاقة وثيقة وصداقه قائمة ودائمة؛ فاحذر الشك، وبخاصة الشك المبني على أوهام وظنون وتكهنات واتهامات وتزييف للحقائق. والشك لا يقيم للحياة الأسرية بيتا ولا مأوى، فعواصف الشك عواصف عاتية وشديدة، فيها عذاب أليم، ونار تحرق كل ما حولها من عواطف وقيم؛ فالزوج الشكّاك مريض نفسيا وقلبيا».

المودة والسكن والرحمة ليس لها مكان مع الشك، بل يسود البرود العطفي على كل تفاصيل الحياة الزوجية، وتبدو معه كل الأمور معكوسة رأسا على عقب.

هذه الشقلبة لا تقتصر على قراءة التصرفات المحيّرة أو ذات الأوجه والزوايا المتعددة، وإنما تتحول إلى نهج يصل بالبعض إلى اتهام كل حركة وسكون، فيحاكم الألفاظ ويقاضي الحركات والسكنات، ويتقصد عامدا مراقبة النظرات ليصل إلى كتم الأنفاس.

ولا تقف تأثيرات الشك على حالة البرود العاطفي بين الزوجين، ومراقبة النظرات والتصرفات فحسب، بل قد تصل إلى ممارسة العنف بكل أنواعه من ضرب وشتم وقذف وطرد من المنزل وتشهير بالزوج أو الزوجة بين الناس من أقاربهم وذويهم، وقد أوردت صحفنا أخبارا كثيرة عن زوجات كن يسجن في منازلهن بسبب الشكوك الواهية التي تحوم في رؤوس أزواجهن.

لن تصدق أيها القارئ إن قلت لك إن بعض حالات الشك بين الزوجات والأزواج تدفعهم للقيام بتسجيل شريك حياتهم، والتنصت على كل مكالماته الهاتفية، والتي أصبحت سهلة ويسرة بوسائل العلم والتكنولوجيا.

ربما لايكون حل هذه المشكلة سهلا ويسرا، وخصوصا حين تصل ذروتها ويطبق الظن على قلب أحد الزوجين أو كليهما، لكن الخطوة الأولى في طريق الحل يتمثل في تدريب النفس وترويضها على عدم الاستجابة والتعاطي مع الظنون السيئة التي قد تخطر عليها وتمس شريك حياتها، يقول تعالى في كتابه الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ».

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2327 - الأحد 18 يناير 2009م الموافق 21 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً