بعد أن أكد رئيس مجلس الوزراء ناصر محمد الصباح «مطالبة الكويت المجتمع الدولي العمل على الوقف الفوري للعدوان الإ سرائيلي الهمجي على غزة»، ألمح ناصر الصباح في كلمته التي ألقاها في افتتاح منتدى القطاع الخاص والمجتمع المدني إلى «ضرورة العمل الجاد والفعّال لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي يوفر أسباب القوة ومواجهة التحديات ضمانا لمستقبل أفضل في عالم لم يعد فيه مكان للضعف أو التفكك، (مطالبا) بإحداث نقلة نوعية في مختلف مجالات العمل الاقتصادي العربي المشترك لخدمة المصالح العليا لأمتنا العربية وتطلعات شعوبها».
تتنازع من يقرأ التصريحات العربية بشأن التكامل الاقتصادي العربي قوتان، الأولى مشجعة ومتفائلة وتطمح إلى الوصول إلى نقطة إنطلاق على طريق هذا التكامل، الثانية محبطة ومتشائمة وهي فريسة الدعوات غير الواقعية والتجارب الفاشلة المريرة التي صاحبت معظم، إن لم يكن جميع، مشروعات التكامل الاقتصادي العربي، التي لم تر النور، أو تم وأدها وهي في المهد.
وكأي مشروع آخر، فمن الطبيعي أن ترتبط أول مراحل تنفيذ مشروع التكامل الاقتصادي العربي بقضيتين أساسيتين: الأولى وجود مقومات قيام المشروع، والثانية إزالة العقبات التي تقف في طريقه.
ولو عدنا إلى التاريخ، فسنجد أن «الهم الاقتصادي العربي»، قد رافق جامعة الدول العربية منذ نشوئها في الأربعينيات من القرن الماضي، إذ كان من بين اللجان الفنية المنبثقة عنها، والواردة في ميثاق تأسيسها، «لجنة الشئون الاقتصادية والمالية»، والتي مارست دروا مهما من أجل التمهيد لطريق مشروعات العمل الاقتصادي العربي ودفعها نحو إلمام، وعلى وجه الخصوص التصدي لتلك الأمور المتعلقة بوضع أطر ذلك العمل، وإعداد مشروعات ومسودات اتفاقاته. توجت أعمال اللجنة تلك بتشكيل المجلس الاقتصادي العربي في العام 1950. وكانت أول الخطوات على تلك الطريق، توقيع اتفاقية إنشاء السوق العربية المشتركة في العام 1964.
ولو تساءلنا عن الحاجة أو مبررات وضع أسس ذلك التكامل، فبوسعنا الإشارة إلى احتياجات تأمين «الأمن الغذائي العربي». فحتى يومنا هذا تصر الدول العربية، بوعي أو بدون وعي، على أن تبقى مستوردا صافيا للغذاء. فوفقا لإحصاءات صادرة عن منظمات جامعة الدول العربية أنه خلال الفترة بين 1981-1991، وهي الفترة التي سبقت الغزو العراقي للكويت، وأبان احتدام الحرب الإيرانية العراقية، حيث تراجع فيها، بعض الشيء، الإنقسام العربي، فخلال تلك الفترة المشار إليها «تضاعفت كمية الواردات العربية من القمح من12.5 مليون طن قيمتها 2.5 مليار دولار في العام 1980 إلى 21.1 مليون طن قيمتها 3.7 مليار دولار في العام 1985 (أي زادت هذه الواردات بنسبة 69 في المئة من حيث الحجم وبنسبة 48 في المئة من حيث القيمة خلال خمسة أعوام فقط، ولتستمر عند هذه المعدلات تقريبا في عامي 1990 و1991».
هذا على المستوى الاقتصادي، لكننا حين ننتقل إلى الساحة السياسية، فسنجد أنفسنا أمام أوضاع أكثر سوءا، حينها سنكتشف أنه بينما كان العرب منذ الحرب العالمية الثانية وحتى منصف السبعينيات كتلة سياسية واحدة، بغض النظرعن هشاشتها، تعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية، لكنهم مع منتصف التسعينيات، أصبحوا مجزئين، بالإضافة إلى الجامعة العربية، إلى عدد من التجمعات الإقليمية، من نمط، الاتحاد المغاربي، ومجلس التعاون العربي، بالإضافة إلى مجلس التعاون الخليجي.
ليس هناك ضير من قيام مثل تلك التجمعات، فيما لو كان مصدر إنبثاقها، وهدف تكونها إزالة العقبات بشكل تدريجي، وتوثيق الروابط على نحو استراتيجي، ترشدنا في ذلك تجربة مماثلة هي تجربة السوق الأوروبية المشتركة التي بدأت على نحو صغير وتنامت على مدى العشرين سنة الماضية من عمرها، حتى باتت تشمل دولا مثل قبرص، وأخرى من أوروبا الشرقية التي كانت إلى وقت قريب في معسكر المنافس إن لم يكن العدو.
لكن من يراقب تلك التجمعات، يجد أن بنيتها الاقتصادية، ومن ثم تحالفاتها التجارية والسياسية القائمة على تلك البنية في تضارب، يصل إلى درجة التناحر والصدام. لذلك نجد أن معظمها، قد نجح في تطوير علاقة متقدمة مع دول أو كتل سياسية، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، لكن تلك العلاقة، وفي الوقت ذاته لا تتكامل أو حتى لا تتضارب مع علاقة من نفس النمط بين تلك الدولة أو الكتلة مع دولة عربية أخرى. هذه الحالة نجدها حتى في نطاق دول عربية تنتمي لذات التكتل العربي من نمط مجلس التعاون الخليجي. بوسعنا أن نضرب مثلا ساطعا على مثل هذه العلاقات المتنافرة التي تربط بين كل دولة خليجية على حدة مع دولة مجاورة مثل إيران، أو دولة حليفة مثل فرنسا أو دولة معتدية مثل «إسرائيل».
وبقدر ما شكل التكتل عقبة، كذلك كان أمر التوسع، فاليوم يواجه التكامل الاقتصادي العربي مشروعا تكامليا آخر هو مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي تروج له الولايات المتحدة، والذي عقدت من أجله المؤتمرات، وأنشأت من أجل الترويج لفكرته مؤسسات مالية وتجارية مثل «بنك تنمية الشرق الأوسط»، و «مؤسسسة الشرق الأوسط والمتوسط للسياحة والسفر»، على التوالي.
وبالقدر الذي تطمح فيه القوى التي تقف وراء مشروع «الشرق الأوسط الكبير» إلى فرض «إسرائيل» كحقيقة قائمة تتمتع فيه بكل حقوق وتؤدي كل واجبات دول هذه المنطقة، بقدر ما تريد ان تذيب أية حدود سياسية تعزز من مقومات قيام كتلة سياسية عربية، دع عنك كتلة اقتصادية عربية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2327 - الأحد 18 يناير 2009م الموافق 21 محرم 1430هـ