كما توقع لها العديد من بيوت الخبرة والمال، أزاحت الصين ألمانيا كي تحتل موقعها كثالث أكبر قوة اقتصادية عالمية، بعد اليابان والولايات المتحدة، وفقا لأرقام حكومية وأخرى صادرة عن البنك الدولي. وكما أورد موقع سي إن إن، فقد «قامت الحكومة الصينية مؤخرا بتنقيح وتعديل الأرقام المتعلقة بمعدلات النمو في العام 2007 من 11.9 في المئة إلى 13 في المئة، وبالتالي ترتفع تقديراتها للناتج المحلي الإجمالي إلى 3.4 ترليونات دولار، أي ما يزيد على الناتج المحلي الإجمالي الألماني، البالغ 3.3 ترليونات دولار، بنسبة 3 في المئة خلال العام نفسه».
بالطبع هذا لا يعني أن تطور الاقتصاد الصيني يسير في تطوره في خط مستقيم، بل، وكما يحقق الإنجازات، تواجهه العقبات، إذ يتوقع الاقتصادي الصيني المشهور، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية توقع وانغ لوه لين، أن «يستمر معدل نمو الاقتصاد الصيني في التباطؤ حتى الربع الثالث من العام 2009على الأقل، حيث قد يبدأ في الزيادة في هذا الوقت». لكن هذا التراجع الذي يتحدث عنه لوه لين، والذي سيتراوح بين 8-9 في المئة، سيكون الأفضل بين الاقتصادات العالمية الرائدة التي يعاني أكثرها، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة من ركود، جراء الأزمات المالية التي عصفت بها، والتي بحاجة إلى عدة أعوام قبل أن تنقشع غيومها وتتراجع التاثيرات السلبية التي أرزتها.
وكما يبدو فإن الحكومة الصينية على بيّنة من احتمالات تراجع النمو الاقتصادي، أما بسبب تأثيرات الأزمة العالمية أو بفعل بعض العوامل الداخلية، ولهذا وجدناها وكما أورد موقع وكالة أنباء الصين «شينخوا، تلجأ إلى ضخ 584.8 مليار دولار أميركي، من خلال حزمة تحفيزية أصدرتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 لتعزيز الوضع الاقتصادي وتبعتها سياسات تهدف بشكل أكبر إلى تحفيز الاقتصاد مثل زيادة الإعفاءات للصادرات والتعهد الأخير بتقديم قروض جديدة أكثر خلال العام 2009».
وبين ثنايا هذه الاقتصاد الهائل والمعقد، لابد وأن يجد المراقب الدقيق بعض الثغرات التي بحاجة إلى المزيد من العناية والالتفات، وهذا ما يحذر منه الخبير في الشئون الآسيوية، والمتخصص في قضايا الصين، ومؤلف كتاب «الصين عام 2020»، مايكل سانتورو، الذي يتوقع أن تواجه بكين «مشكلات أخرى عليها اجتيازها إذا ما أرادت المحافظة على استمرار نموها الاقتصادي، (محذرا من أنه) لم يعد كافيا بالنسبة للصين أن تصبح دولة مصنّعة للحلويات والدمى وما شابه ذلك... أصبح لزاما عليهم الآن أن يسعوا لأن يصبحوا لاعبين في مجالات الصناعات الدوائية والغذائية وغيرها من الصناعات ذات القيمة المضافة، حيث السلامة والجودة تعتبران من الخصائص المهمة لتطوير الاقتصاد العالمي».
وما يستشف من تحذيرات سانتورو هو أنه على الصين إن هي أرادت أن تكون أحد اللاعبين الكبار في الاقتصاد العالمي، أن تتحول من الصناعات التقليدية ذات القيمة المضافة المنخفضة إلى تلك العالية. والأمر الواضح من سياسة الصين التنموية أنها تولي هذه المسألة الاهتمام الذي تستحقه. إذ أعلنت بكين في نهاية العام 2008 عن حزمة «تحفيز اقتصادي بقيمة 600 مليار دولار، فيما وضع مجلس الدولة الصيني خطة جديدة لتحفيز صناعتي السيارات والفولاذ، بما في ذلك مبلغ 1.5 مليار دولار لتطوير مركبات وسيارات باستخدام الوقود البديل».
هذا من جانب، ومن جانب آخر وفيما أعلنت مؤسسة «فوسترز للأبحاث» ( Foreters Research) الأميركية عن توقعاتها بأن «ينخفض حجم إنفاق الشركات على قطاع تكنولوجيا المعلومات في جميع أنحاء العالم بنسبة 3 في المئة خلال العام 2009 وذلك في أول تراجع من نوعه منذ العام 2002 بسبب هذا التراجع إلى الركود العالمي وارتفاع قيمة الدولار»، نجد أن الصين من بين الدول التي أخذت على عاتقها تطوير اقتصاداتها من خلال تطوير صناعة تقنية الاتصالات والمعلومات في أسواقها، وبحسب الإحصاءات المنشورة بلغت نسبة نمو صناعة المعلومات في الصين خلال العام 2007، مقارنة بالعام الذي سبقه، 20 في المئة، وهذا يعني قفزة كبيرة ونوعية في تاريخ صناعة المعلومات في الصين.
ولم يكن هذا التوجه عشوائيا أو ردة فعل غير مدروسة بعناية، إذ باشرت الصين في هذا التوجه نحو صناعة المعلومات منذ مطلع هذا القرن، وفي العام 2003 حققت صناعة تقنية المعلومات قفزات واسعة، هذا ما تؤكده الإحصاءات الرسمية التي قالت بأن «ايرادات مبيعات منتجات صناعة المعلومات الإلكترونية بلغت 66.2 مليار دولار أميركي فى العام 2003 بزيادة 28.9 بالمئة وإيرادات مبيعات منتجات البرمجيات 6.58 مليارات دولار بزيادة 22 في المئة. وفى هذه الفترة حققت هذه الصناعة 2.5 مليار دولار من الأرباح بزيادة 21 بالمئة و10.6 مليارات دولار من الواردات والصادرات بزيادة 51.5 في المئة ومنها الصادرات 5.3 مليارات دولار بزيادة 45.5 في المئة».
كل هذا ينضوي تحت خطة الصين الشاملة نحو «المجتمع الذي ستتمكن الصين من تحقيق هدف بناء مجتمع العيش الرغيد بحلول العام 2020». ويورد موقع «شينخوا»(http://www.arabic.xinhuanet.com/arabic/2008-11/01/content_752608.htm>)، تقريرا تفصيليا مبنيا على مقاييس عالمية، تجمع بين عوامل بناء ذلك المجتمع من: نمو اقتصادي، وانسجام اجتماعي، وجودة المعيشة، ومؤشر الثقافة والتعليم، ومؤشر الموارد والبيئة، وجميعها تشير إلى التقدم السريع وبخطى ثابتة والتي تحققه الصين على طريق الوصول نحو ذلك المجتمع بحلول العام 2020.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ