كانت التوقعات والاستشرافات التي صدرت في مطلع هذا القرن بالنسبة لواقع ومستقبل استراتيجيات وعمليات الاستحواذ والدمج متفائلة، فقد ورد تقريران صدرا عن مجموعة بنيان الدولية للاستثمار أحدهما في العام 2005، والثاني في مطلع العام 2008، وكلاهما يبشران بتزايد «قيمة وعدد عمليات الدمج والاستحواذ في القطاعات الاقتصادية كافة على مستوى العالم لتصل إلى 5 تريليونات دولار العام 2008»، مستقين قراءتيهما من نتائج العام 2007، والأعوام التي سبقت ذلك على المستوى العالمي، ارتفعت الصفقات «بنسبة 19 في المئة لتصل إلى 24800 صفقة بقيمة 2.059 تريليون دولار في العام 2005 مقارنة بـ20888 صفقة بقيمة 1.736 تريليون دولار في العام 2004، فيما بلغت قيمة تلك العمليات 2.6 تريليون دولار في العام 2006 لتقفز إلى 3.6 تريليونات دولار في العام 2007».
لكن، وكما يبدو كان للأزمة المالية العالمية تأثيراتها السلبية، غير المتوقعة، على تلك الاستراتيجيات، وهو ما أثبته تقرير صدر مؤخرا عن قسم خدمات التمويل التجاري لدى شركة «كي بي إم جي» (KPMG) يحذر من انخفاض «نشاطات الدمج والاستحواذ عالميا خلال النصف الثاني من العام 2008».
يؤكد تشاؤم «كي بي إم جي»، تقرير آخر صادر عن بيت الاستشارات المالية، يحذر من «الانخفاض الحاد في عمليات الاستحواذ والدمج على المستوى الدولي، وخاصة ما يتعلق بالصفقات الضخمة التي تأثرت بالأزمة العالمية».
إلا أن الأمر يختلف عند الحديث عن عمليات الاستحواذ والدمج في أسواق الشرق الأوسط، فهناك شبه إجماع على احتمالات نموها وتوسعها، بما فيها تقديرات «كي بي إم جي»، التي يؤكد تقريرها المتشائم ذاته بأن «الخبراء يتوقعون زيادة فعلية في الصفقات المتعلقة بشركات تعاني من صعوبات في المنطقة (الشرق الأوسط)، وذلك على المدى القصير إلى المتوسط، وخاصة في القطاعات التي ترتبط بشكل كبير بثقة العملاء كقطاعي التجزئة والعقارات، وبالتالي، فإن من المتوقع حدوث مزيد من النشاط بالنسبة للمستثمرين، ومزودي الخدمات الاستشارية المتخصصين في صفقات إعادة الهيكلة».
يشاطرها الرأي ذاته بيت الاستشارات المالية الذي ورد على لسان عضوه المنتدب ورئيسه التنفيذي فيصل الصيرفي بأنه «على رغم الانخفاض الحاد في عمليات الاستحواذ والدمج على المستوى الدولي، وخاصة ما يتعلق بالصفقات الضخمة التي تأثرت بالأزمة العالمية، فإن أسواق الاستثمارات المتوسطة ماتزال تعطي مؤشرات إيجابية متفائلة. ومع صعود منطقة الخليج كمقر مركزي، فإننا نرى اهتماما عالميا متزايدا بالأسواق الخليجية، وخاصة المستثمرين من آسيا الذين يبحثون عن تعزيز أعمالهم في الشرق الأوسط من خلال الاستحواذ على الشركات الصغيرة والمتوسطة».
ومن توقعات التقارير والدراسات ننتقل إلى الواقع المعاش كي نتحدث عن عمليات شهدتها السوق العربية على صعيد الدمج والاستحواذ، فهناك، وكما جاء على موقع الأسواق العربية عملية بنوك «المصرف الإسلامي للاستثمار والتنمية والبنك المصري المتحد وبنك النيل في كيان مصرفي واحد في شكل شركة مساهمة مصرية تحت أسم المصرف المتحد، برأس مال مصدر ومدفوع مليار جنيه مصري.
وعلى نحو موازٍ نشر موقع إيلاف تقريرا بعث به مراسله محمد سعد من دبي قدر فيه القيمة الإجمالية «لصفقات الدمج والاستحواذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 31.78 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2007 من خلال إنجاز 215 صفقة مقابل 22.54 مليار دولار من خلال إنجاز 168 صفقة في العام 2006 بكامله».
وينقل الموقع مقتطفات من تقرير صادر عن شركة غلف كابيتال غروب التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها يتعلق بصفقة «استحواذ شركة لايتون الأسترالية على 45 في المئة من شركة الحبتور الهندسية مقابل 715 مليون دولار».
لكنه وبحسب تصنيفات غلوبل غلف كابيتال فإن أضخم الصفقات هي التي تمت بين شركتين كويتية وقطرية هما «الوطنية للاتصالات» و»كيوتل» والتي بلغت قيمتها 4,26 مليار دولار.
تقرير آخر صادر عن شركة «المستثمر الوطني» الظبيانية يؤكد إن «قيمة عمليات الدمج والاستحواذ التي نفذها بعض الشركات النفطية الخليجية في الفترة الأخيرة تجاوزت 4 مليارات دولار».
ولم يقتصر الأمر على القطاعات المصرفية فحسب، فهناك القطاع العقاري، والذي كانت أبرز صفقات الدمج والاستحواذ في تلك الثلاثية التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط والتي تمت بين شركة «سما دبي» العضو في دبي القابضة وشركة «تمويل» وشركة «بنيان الدولية» لشراء أراضي بقيمة 1.93 مليار درهم في منطقة الجداف في قلب مدينة دبي.
كل هذه التقارير وأخرى غيرها تشير إلى أن المنطقة العربية مهيئة من ناحية السيولة النقدية، والفرص الاستثمارية للمزيد من عمليات الدمج والاستحواذ، بل لعل تلك العمليات باتت من المتطلبات الضرورية التي تهيء شركات المنطقة للدخول، وبكفاءة، في منافسات السوق العالمية. لكن من أهم العقبات التي ماتزال تقف في طريق تطور مثل تلك العمليات هي، غياب التشريعات والقوانين المتطورة القادرة على تسيير العمليات ذاتها وحفظ حقوق المؤسسات والأفراد الضالعين فيها من جهة، وانعدام مستوى الشفافية الذي يبيح المراقبة والتحكم من جهة ثانية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2324 - الخميس 15 يناير 2009م الموافق 18 محرم 1430هـ