نعمة البصر لا يعرف قدرها إلا من افتقدها، وبينما عرف العالم، وعلى وجه الخصوص الغرب، القراءة والكتابة، كما تحدد تاريخها باميلا لوريمير «Pamela Lorimer»، منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف سنة، لكن المكفوفين لم ينعموا بها إلا قبل ما يربو على قرنين من الزمان فقط. ولربما يتبادر إلى أذهاننا أن عدد المكفوفين يكاد أن يكون محدودا، لكن الأرقام، وهي متضاربة إلى حد بعيد نظرا لتباين معايير قياس من ينضوي تحت فئة فاقدي البصر، تشير إلى عكس ذلك. فوفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، في كل خمس ثوان يتحول شخص في العالم إلى مكفوف، وفي كل دقيقة تمر علينا يتحول طفل في العالم إلى مكفوف، وسوف يصل عدد المكفوفين بحلول العام 2020 إلى 75 مليون شخص، أما عددهم اليوم فيبلغ ما يربو على 45 مليون شخص.
الأمر يزداد سوءا عندما نقترب من البلدان النامية التي يعيش فيها نحو 90 في المئة من المكفوفين وضعاف البصر، وبينما يقطن 9 مليون منهم في الهند، ويعيش 7 ملايين آخرين منهم في إفريقيا، و6 ملايين في الصين، يصل عدد المكفوفين وضعاف البصر في العالم العربي إلى 7 ملايين. بعض المراكز المختصة تعتقد أن 10 في المئة من سكان العالم يعانون، بشكل أو بآخر، من الإعاقة البصرية.
ويرتبط تعليم معاقي البصر الكتابة والقراءة في أذهان الكثير منا بالعالم الفرنسي لويس برايل الذي ولد في 4 يناير/ كانون الثاني 1809 فى قرية كويفرى التى تبعد عن باريس بحوالى 40 كيلومترا، والذي فقد بصره في الثالثة من عمره وهو يحاول قطع شريط جلدى فافلت منه السكين وفقأ عينه ونظرا لعدم ازالة عينه المصابة فإن التلوث قد انتقل إلى العين السليمة وفقد الإبصار تماما وهو فى الخامسة من عمره.
وبفضل إصرار برايل، كما يعتقد الكثير منا، ورغبته في تعويض ما يفوته من جراء فقدان بصره، نجح في العام 1829 من إصدار كتابه «طريقة كتابة الكلمات والنوتة الموسيقية للمكفوفين باستخدام النقاط».
لكن هناك من يعتبر الفرنسي فلانتين هوي، الذي ولد في باريس في العام 1745 «رائد التأهيل والتربية الحديثة للمكفوفين على الإطلاق، وذلك بما قدمه لهذه الفئة من إسهامات وخدمات سيظل يذكرها له تاريخ المكفوفين بكثير من الامتنان والتقدير».
وكأي مشروع تربوي رائد في تلك الفترة بدأ هوي تجربته الرائدة بتعليم طلابه في منزله، لكن عندما تزايد العدد وجد هوي، مدفوعا بطموحه، أنه من الأفضل افتتاح مدرسة لتعليمهم، مستعينا في ذلك بأحد طلابه المدعو ليزيير. ويعتبر البعض أن تلك المدرسة «كانت أول مؤسسة تربوية للمكفوفين».
واليوم وبعد مرور قرنين على ميلاد برايل يشهد العالم ولادة أول حاسوب منقول في سويسرا، يستخدم نظاما لتعليم مكفوفي البصر باستخدام تقنيات متقدمة متوفرة في ذلك الحاسوب. وكما ورد على موقع سيويس إنفو يعمل ذلك الحاسوب من خلال نظام متطور هو نظام «موسكي الإلكتروني، ومكتشفه السويسري فيليب راسين الذي هو بصدد تحويل «طريقة برايل للتعلّم». إلى نظام إلكتروني.
وكما يصف الموقع، يتمتع النظام بسهولة استخدامه، وخاصة من لدن المكفوفين، وسرعته الفائقة في تنفيذ الأوامر التي يصدرها مستخدمه وبالنتيجة، الأمر الذي «يسمح باختصار الوقت الضروري لتعلم طريقة برايل بمعدل خمس أو ست مرات مقارنة بالطريقة التقليدية».
وليس نظام «موسكي» هو أول نظام يحاول أن يسخر التكنولوجيا لخدمة الناس من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد سبق وأن طرح في الأسواق النظام المعروف باسم دكسبيري (Duxberry) من إنتاج شركة تحمل الاسم ذاته، وهي شركة متخصصة في هذا الحقل تأسست العام 1969.
والنظام عبارة عن نظام «يقوم بتحويل ملفات النصوص إلى ملفات برموز برايل المناظرة، ويدعم البرنامج كل من اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية وغيرها من اللغات الأخرى».
وهناك العديد من البرامج الأخرى القريبة من البرنامجين المشار لهما أعلاه، وإن لم تتوفر فيها المواصفات ذاتها، من نمط «فيزيو برايل» (Visio Braille) الذي صمم للتجاوب مع الأوامر الصوتية، والذي يتمتع بلوحة مفاتيح بأحرف لغة «برايل» المعروفة.
وعلى مستوى الصناعة العربية، تجدر بنا الإشارة إلى برنامج محوسب للمكفوفين من إنتاج المجموعة العالمية «صخر»، الذي أطلقت عليه اسم «إبصار» (Ibsar). ويتميز برنامج إبصار، بسهولة استخدامه، ونجاحه في استخدام، وبمهارة فائقة تقنيات التعرف الضوئي على الحروف (OCR)، سوية مع تحوي النصوص إلى صوت، من أجل تسهيل مهام الاستخدام على المكفوفين.
مما لا شك فيه، وكما تشير أرقام منظمة الصحة العالمية، أن الحاجة تتزايد من أجل بذل المزيد من الجهود وتخصيص المزيد من الأموال للصرف على أجهزة ومعدات وبرمجيات من أجل مخاطبة هؤلاء المكفوفين الذين، من الطبيعي، أن يكون بينهم نوابغ، كل ما ينقصهم هو تلك الأجهزة والبرمجيات التي تحول إعاقتهم التي حرمتهم من المساهمة في تطور مجتمعاتهم وتقدمها إلى وسيلة تمكنهم من استخدام تلك المواهب
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2322 - الثلثاء 13 يناير 2009م الموافق 16 محرم 1430هـ