العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ

شلل الإرادة وطغيان الخوف

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

كل تجمّع في وحدة أو مؤسسة أو مجتمع سواء أكان على مستوى السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، تحكمه أنظمة تتلاءم وطبيعة وظروف ذلك التجمّع. من هنا دعنا نطرح الأسئلة التالية: ما الذي يحكم مؤسسة القمة العربية بحيث تستطيع أن تبقى بعيدة عن ومتفرجة على محرقة القرن الواحد والعشرين الصهيونية في غزة؟ ما الذي يضبط إيقاع هذه المؤسسة بحيث تتصرف بقلب قاس كالحجر لا تحركه دموع أطفال غزة المذعورين ولا استغاثات نسائها الثكلى، ولا أشلاء ودماء شبابها المحاربين بأظافرهم وأياديهم، بإباء وصبر، آلة الاغتيال الصهيونية العمياء، ولا يستفزهم محو كل ما في غزة لجعلها أرضا من أراضي اليباب؟ ما هو السر الذي وراء هذا الحياد الشعوري البارد وذلك السكون العقلي المظلم الذي يذكّّّّّّّر بهدوء ليل المقابر، فلا احتجاج ولا أنين ولا حركة ولا دبيب حياة، لكأن القمة العربية قد دخلت البرزخ وتاهت فيه؟

البعض من المحللين في أيامنا الحالية السوداء، كما في الماضي، ركّز في تحليله على دواعي اللعب السياسي: انقسام الأنظمة العربية إلى معسكرات واستزلامات مرتبطة بعضها بالصراعات الدولية، الخوف من انتقام الحركة الصهيونية العالمية في حقول المال والاقتصاد، التوجّس من أيّ انتصار لأية مقاومة شعبية، وعلى الأخص الإسلامية، لأنها ستكون مقدّمة لانتفاضات شعبية في الداخل ولتحقيق مفاجآت انتخابية كلما سنحت الفرصة.

ولكن، هل أن الأمر يقتصر على مماحكات وصراعات السياسة أم أنه تعدّى إلى ما أبعد من ذلك؟ ذلك أن التصرف العربي الرسمي في هذه المرة يشير إلى شروخ ذهنية وإنسانية وقومية وأخلاقية. إنه تصرّف يشير إلى ظواهر تضرب في العمق.

إنه أولا يشير إلى أن النفوذ الأميركي قد أحكم سيطرته التامة على كل دوائر اتخاذ القرار في الأرض العربية. إن العرب قد تراجعوا تاريخيا إلى الوراء لمسافة قرنين من الزمن. إننا بالفعل نعيش عصرا استعماريا جديدا، إذ إن روح الاستعمار هو فقدان قدرة المستعمَر على اتخاذ أي قرار بإرادته الحرّة. لقد شُلت إرادة العرب تجاه كل تصرفات أميركا وحلفائها الظالمة اللاإنسانية في طول الأرض العربية وعرضها. إن واشنطن قد أصبحت عاصمة الخلافة، هي الآستانة، والرئيس الأميركي هو خليفة المسلمين. إن هذه الرمزية التاريخية قد قضت على قرنين من كفاح وتضحيات هذه الأمة.

إنه ثانيا دخول القيادات الرسمية العربية في حجرة الخوف المظلمة، وليست هذه فذلكة كلامية. إن مؤسسة القمة العربية قد أصبحت مرعوبة بتصور وجود الأشباح في كل زاوية تحيط بها. إنها ترى في شعوبها أشباحا تريد الانقضاض عليها، وفي أميركا شبحا يخيفها، وفي «إسرائيل» شبح القضاء الذي لا يرد، وفي المقاومة شبح الشيطان الموسوس. وقضية الخوف في السياسة هي من أخطر القضايا التي تواجهها أية أمة. من هنا كان قول الرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت الشهير، من أن الشيء الوحيد الذي يجب أن يخافه الإنسان هو الخوف نفسه. من هنا القول الإسباني: إن حياة الخوف هي نصف حياة. إن الرئيس السوفياتي الأشهر، جوزيف ستالين، كان دائما يردد أنه يريد موالين له بسبب الخوف وليس من خلال الاقتناع. وهذا بالضبط ما توصلت إليه أميركا في تعاملها مع الغالبية الساحقة من القادة العرب: موالاة الخائفين، لا المقتنعين.

لقد دخلت مؤسسة القمة في هذين النفقين: فقدان الإرادة وشلل الخوف وهما يكوّنان أحد أهمّ ما يحكم تصرفات هذه المؤسسة.

لو أن الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بُعث اليوم لأعاد على مسامع الرافضين لأية مواجهة مع العدوين الفاجرين خطبته الشهيرة وذلك باسم الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع في العالم كله: «منيت بمن لا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم ما تنتظرون بنصركم ربّكم ؟ أما دين يجمعكم، ولاحمية تحمشكم ( تغضبكم )؟.. فما يُدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم مرام». هل نحن الملايين نبالغ في اشمئزاننا وقلقنا؟ لا واللّه.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً