أطلق البعض على القمة الاقتصادية العربية التي ستعقد في الكويت يومي 19 - 20 يناير/ كانون الثاني 2009، الأولى، على رغم أن الأولى عقدت في العاصمة الأردنية عمان وأخذت صفة «الاقتصادية» قبل 28 عاما.
واليوم ونحن على أبواب هذه القمة، بدأنا نسمع ونقرأ على الطريقة «العكاضية العربية» تصريحات مثل أن هذه القمة «محطة تاريخية» في مسيرة العمل العربي المشترك، أو أنها القمة «الأولى من نوعها في المنطقة العربية»، وأخرى مثل «ركيزة أساسية للعمل العربي المشترك في شتى القطاعات التنموية»، الأمر الذي يجعل المتابع لاجتماعات العمل العربي المشترك لا يرى فيها أكثر من لقاء آخر من اللقاءات العربية، وما أكثرها، التي من الخطأ النفخ فيها والحديث عن أهميتها والآمال المعلقة عليها قبل أن تنعقد، ونرى النتائج التي تتمخض عنها.
وللإنصاف والموضوعية، فإن الدعوة للتوقف عن «الحالة العربية العكاضية» لا ينبغي، بأي شكل من الأشكال، أن تدفعنا للاستدارة 180 درجة مئوية، والدخول في حالة تشاؤم سوداوية تقف ضد أن تستخف بكل شكل من أشكال العمل العربي المشترك.
لذلك فالمطلوب هنا حالة راقية من العقلانية والموضوعية التي ترى الأمور من زاوية واقعية سليمة، وتضع مثل تلك الأمور في نصابها الصحيح دون القفز عليها أو تجاهلها، ودون تضخيم سلبياتها والعوائق التي يمكن أن تقف في وجه أي عمل عربي مشترك، وعلى وجه الخصوص عندما يكون ذلك العمل «اقتصاديا».
هذا المدخل العقلاني يضع أمام القمة مجموعة من المحاذير. أول تلك المحاذير التي ينبغي أن تراعيها هذه القمة، هي تحاشي التوقف عند القرارات أو حتى التوصيات «الفوقية»، بمعنى الاكتفاء باتخاذ قرار قد يبدو في مظهره الخارجي جميلا وبراقا، لكنه لا يملك أيا من المقومات الواقعية التي بوسع القمة تحويله من مرحلة التصور أو الحلم النظري إلى مشروع عملي على الأرض. ويمكننا أن نسوق هنا مثالا يؤكد صحة ما نقول، وهو تصريح ورد على لسان شخصية من أهم الشخصيات في العمل العربي المشترك، وهو الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي صرح في مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول 2008 أن «القمة الاقتصادية العربية التي ستعقد في الكويت في يناير/ كانون الثاني المقبل ستبحث ضرورة الانتقال من مرحلة التجارة الحرة إلى مرحلة الاتحاد الجمركي». هنا يضعنا الأمين العام أمام حلمين غير قابلين للتطبيق هما: الاتفاقيتين، والانتقال بينهما.
ثاني تلك المحاذير، هو الانجراف نحو معالجة القضايا الآنية الطارئة، والتي ربما لا تكون اقتصادية، وهناك من مؤسسات العمل العربي المشترك من تقع عليه مسئولية التصدي لها بدلا عن القمة الاقتصادية. ومن القضايا المرشحة لأن تحضى بالأهمية القصوى مسألتان هما: غزة والأزمة الاقتصادية العالمية. ليس المطلوب القفز فوق معاناة أهلنا في غزة، لكن مكانها ليست تلك القمة. في وسع القادة العرب، بل وربما من واجبهم أن يعقدوا قمة سياسية تتوقف بجدية أمام «العربية الصهيونية في غزة»، لكن، وبالقدر ذاته لا ينبغي أن يطغى الملف «الغزاوي» على الملف «الاقتصادي العربي». الأمر ذاته ينطبق على الأزمة المالية العالمية التي، على أهميتها هي الأخرى، لكنها لا ترقى إلى مستوى قضايا عربية اقتصادية مصيرية من نمط «أزمة الغذاء العربي» أو «أزمة المياه العربية»، والأخطر من هذه وتلك، ملف «النفط والغاز العربيين».
ثالث تلك المحاذير، هو عدم التوقف عند هموم المواطن العربي الاقتصادية والتي قد تبدو في نظر القادة العرب ذات أهمية من الدرجة التاسعة أو العاشرة، لكنها في حقيقة الأمر تأتي في أولى درجات سلم أولويات هذا المواطن. ولنبدأ بالتشريعات الاقتصادية أو حتى التجارية منها، ليس على المستوى العربي الأشمل، بل حتى على مستوى دول مجلس التعاون الأضيق نطاقا، حيث لاتزال القوانين التجارية القطرية غير متكاملة مع بعضها بعضا، بل وربما تتضارب في بعض الحالات، الأمر الذي يقود إلى إعاقة أي شكل من أشكال العمل العربي المشترك.
لفت النظر إلى مثل هذه المحاذير ليس القصد من ورائها إهمال أو عدم مناقشة القضايا المصيرية الكبرى ومن بينها «الأزمة المالية العالمية»، بقدر ما هي دعوة لإعطائها هي الأخرى ما تستحقه من نقاش وقرارات. فبقدر ما ينبغي أن لا تخيفنا القضايا والمهمات الكبيرة، بالقدر ذاته، لا ينبغي لنا أن نستهين أو أن نتجاهل المهمات الصغيرة، فأي منهما، في حال تجاهله، يمكن أن يدمر العمل العربي المشترك، وهو ما يتمناه أي من المواطنين العرب الذي يعلقون على قمة الكويت الكثير من الآمال التي لا يريدون قادتهم أن يخذلوهم فيها.
والخطوة الأولى على طريق نجاح القمة المقبلة، هي قدرة القادة العرب الذين سيجتمعون في الكويت على الوصول إلى تشخيص دقيق لتلك الأولويات، وتحويلها من مجرد هموم لدى المواطن إلى برنامج عمل عربي يمتلك مقومات التفعيل، نظرا لكونه مستمدا من احتياجات ملموسة لمواطن يعيش على تراب هذا الوطن.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2315 - الثلثاء 06 يناير 2009م الموافق 09 محرم 1430هـ