ناضلت شعوب الدول الاسكندنافية الثلاث (السويد، الدنمارك، والنرويج) على مدى عدة عقود مضت، من المحافظة على بقاء كل ما وفرته لهم الأنظمة الديمقراطية الدستورية من حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتسامح فكري وديني وعقائدي ومشاركة فاعلة وأصيلة بين السلطة والمجتمع في صنع القرارات المهمة.
ولم تعد شعوب هذه الدول التي تحررت منذ أمد بعيد من قيود الرقابة الأمنية الصارمة المسلطة على رقابها بفعل التفرد بالحكم وانعدام المشاركة الشعبية، من قبل الجالسين على عرش السلطة، بحاجة إلى (ثورات تغييرية) كبيرة على الأنظمة والقوانين السارية في تلك الدول، نتيجة لوجود التقاليد السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية الراسخة والمكرّسة فقط لخدمة كيان الدولة والمجتمع، التي يلتزم بها ويحترمها الحاكم والمحكوم على أساس الشراكة الحقيقية المعقودة بينهما في الدساتير وعلى مستوى القوانين والأنظمة الداخلية.
ومن ذلك لا بأس أن نورد هنا بعض الدروس السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستفادة من تجارب هذه الدول، لتعميم ثقافة التنمية الديمقراطية والدستورية الحقيقة التي نأمل الاقتداء بها في بلادنا.
المملكة السويدية
السويد، هي إحدى الممالك الاسكندنافية الثلاث (الدنمارك والسويد والنرويج) التي تحكم بواسطة النظام البرلماني الدستوري، والملك هو رأس الدولة، حيث تنحصر مهماته الرسمية فقط في التمثيل الدبلوماسي للدولة ومقابلة الوفود الرسمية الأجنبية، حيث يحضر الدستور السويدي مشاركة العائلة المالكة في أي عمل سياسي، والذي هو فقط يكون من اختصاص الحكومة المنتخبة انتخابا حرا مباشرا من أعضاء المجتمع السويدي.
وتتولى الحكومة المنتخبة إدارة وتنظيم حياة الدولة اليومية من القاعدة إلى القمة، وتتحمل مسئولية الأمن الداخلي والدفاع والسياسة الخارجية والسياسات الاجتماعية والاقتصادية وسوق العمل والصحة والتربية والتعليم.
ويكلف البرلمان السويدي، رئيس الوزراء المنتخب قيادة الحكومة، ويمكن تشكيل الحكومة من حزب واحد، أو من عدة أحزاب فيما يعرف بـ»حكومة الائتلاف» في إطار مشاركة أحزاب صغيرة حصلت على بعض المقاعد البرلمانية عبر صناديق الانتخاب، حيث يتم تكليف زعيم الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية بتشكيل الحكومة وإدارة شئون البلاد.
ومن المهمات الأساسية للبرلمان السويدي، هو القيام بتشريع القوانين وإقرار قيمة الضريبة المستحقة للحكومة وطريقة استخدام أموال الدولة ومكاشفة ومحاسبة المسئولين على أفعالهم أمام المجتمع.
وتؤثر قرارات البرلمان، بشكل كبير على جميع المستويات داخل المجتمع. حيث يتم تنفيذ كل ما يصدر عن البرلمان على أرض الواقع، وأن جميع المسائل التي يتم معالجتها في البرلمان تكون غالبا على شكل اقتراحات وتوصيات من الحكومة، ولكن يحق أيضا لأحد أعضاء البرلمان طرح اقتراحات على البرلمان، ويتم تحضير جميع المسائل المقترحة من قبل أعضاء البرلمان قبل قيام الأخير باتخاذ قراراته التي تتخذ عادة عن طريق التصويت ويفوز الاقتراع الذي يحصل على الغالبية.
ومن المهمات الأبرز في نشاط البرلمان، هو مراقبة نشاط الحكومة وقيامها بإدارة حكم البلاد، ويحق للبرلمان أن يقوم بتقديم شكوى ضد أحد الوزراء إذا كان هذا الوزير قد ارتكب خطأ خلال ممارسته للواجب الوظيفي، كما يقوم البرلمان باختيار وكيل الجمهور للشئون القانونية، ومن بين المهمات الموكلة لوكيل الجمهور للشئون القانونية، مراقبة موظفي السلطات العامة بإيقاع القوانين والتشريعات خلال تأدية مهماتهم ويحق لكل مواطن الكتابة والتظلم لدى وكيل الجمهور، إذا رأى أنه قد أسيئت معاملته، ويحق للأجانب المقيمين في السويد الكتابة إلى وكيل الجمهور بلغته الأصلية إذا ما أراد ذلك.
(المؤسسة التشريعية) البرلمان السويدي:
يتشكل البرلمان السويدي من 349 عضوا، من الأحزاب السياسية التي تحوز على نسبة لا تقل عن 4 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات العامة التي تجري كل أربع سنوات في البلاد، وهذا الحاجز في الدخول إلى البرلمان (نسبة 4 في المئة) يقف أمام الأحزاب الصغيرة ذات القواعد البسيطة وغير المؤثرة، كما هو بالنسبة إلى جميع الأحزاب ذات الصبغة اليمينية أو الدينية المتشددة.
ويعود تاريخ البرلمان السويدي، إلى عصور غابرة، حيث شهد منتصف القرن التاسع عشر صعودا كبيرا لمستوى التمثيل البرلماني للطبقات الاجتماعية والنبلاء والقساوسة والعامة والفلاحين، حتى تبدل الحال ليتم إلغاء البرلمان الطبقي إلى برلمان متحرر يضم مجلسين على أساس الانتخاب والكفاءة والخبرة. ففي بداية انطلاقة عمل البرلمان السويدي، كان القياديون في الدولة والمجتمع، يلتقون في أماكن عامة، ليتخذوا القرارات والإجراءات الضرورية لتسيير شئون الدولة والمجتمع، ومن بين اللقاءات التاريخية المعروفة، كان اللقاء الأول الذي تم بين رجالات الدولة والمجتمع في أرجوجا العام 1435 لبناء اللبنة الأولى لتكريس دعائم النظام الديمقراطي التعددي، ولكن لم يتم انتخاب أعضاء البرلمان في انتخابات ديمقراطية قبل العام 1921 عندما صدر قانون حق التصويت العام في البلاد.
وكان البرلمان الذي يضم نظام المجلسين، قد استمر يحث الخطى على أحداث التغييرات اللازمة في بعض الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وبقي يمارس مثل هذه المهمات حتى بعد إدخال إصلاحات حق التصويت المباشر في العام 1971 حيث تم تحويل البرلمان إلى مجلس واحد يتم انتحابة فقط بواسطة الشعب.
وبما أن نظام الحكم في السويد هو نظام برلماني دستوري، فإن البرلمان يعتبر هو أعلى سلطة في البلاد تتخذ القرارات في السويد وتقوم الحكومة بتنفيذ قرارات البرلمان، وأما الملك فهو ليس أكثر من مجرد رمز لكيان الدولة.
وفي كل اربع سنوات، يحق لجميع مواطني السويد المؤهلين للتصويت لانتخاب أي حزب سياسي يمثلهم في البرلمان، على أساس البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الأفضل، ويقوم الحزب الفائز، بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات، وينتخب رئيس الحكومة من قبل أعضاء البرلمان، وتتمثل المهمات الرئيسية لممثلي الشعب المنتخبين في القيام بسَن القوانين وفي اتخاذ القرارات بشأن موازنة الدولة ومراقبة ومحاسبة الحكومة على أعمالها أمام المجتمع.
ويقوم أعضاء البرلمان في المجلس بالمناقشة حول مختلف القضايا العامة ويتخذون القرارات بشأنها، ومن بين الأمور التي يتم إعدادها مناقشات رؤساء الأحزاب ومناقشات السياسة العامة للدولة في ضوء التطورات الآنية والمستقبلية ذات الأهمية البالغة، وفيما يعرف باستجواب الوزراء يقوم وزراء الحكومة بالإجابة على الأسئلة التي يكون أعضاء البرلمان قد تقدموا بها خطيّا بصورة مسبقة، ومكاشفة ومحاسبة الوزير على أخطائه والدفع باتجاه إسقاطه من الوزارة عند إقرار التهمة المنسوبة إليه.
كل ما يقال في البرلمان يذاع على الملأ بصورة علنية ويتم نشره في محاضرٍ وبإمكان عامة الشعب ووسائل الإعلام الاستماع لتفاصيل المناقشات والمداولات داخل قبة البرلمان، عن طريق حضور الجلسات البرلمانية أو عبر الإذاعة والتلفزيون وشبكة الإنترنت
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 2312 - السبت 03 يناير 2009م الموافق 06 محرم 1430هـ