العدد 2311 - الجمعة 02 يناير 2009م الموافق 05 محرم 1430هـ

أما آن للعقلاء أن يتحركوا؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع إطلالة العام 2009، لم يعد في جعبة الساحر الخليجي ما يخرجه كي ينال تصفيق المشاهدين.

فلقد أفرغت الأرقام التي نشرتها البورصات العربية والخليجية منها على وجه الخصوص كل ما في تلك الجعبة من حيل وألاعيب دأب على ممارستها على امتداد العام 2008، ظنا منه أن بوسعه تأجيل الأزمة، إن لم يكن في الوسع درؤها.

خسائر أسواق المال العربية تجاوزت مليارات الدولارات، وصرف المؤسسات المالية، بما فيها البنوك التجارية والاستثمارية لموظفيها، وإقناع البعض الآخرين بعروض سخية، وسحب بعض الشركات القطرية من أسواق مالية لدول أخرى... مثل هذه المظاهر، وأخرى أكثر سوءا منها باتت شواهد صارخة على استشراء الأزمة، وعلى مستوى أسوأ من التوقعات كافة.

من يراقب المشهد الخليجي في تعاطيه مع الأزمة المالية العالمية منذ اندلاعها، تتملكه حالة من الذهول والاستهجان. الذهول مصدره استغراب تلك المشاهد من إصرار المسئول الخليجي على تطمينات مواطنيه، وتأكيداته على أن بوسع اقتصاده «الراسخ المتين» التعامل معها بدرجة عالية من الكفاءة إلى درجة تتلاشى أمامها الضربات الشديدة التي قصمت اقتصادات متقدمة وناضجة من نمط الاقتصادات الغربية والآسيوية، الكبيرة منها والصغيرة على حد سواء، أما الاستهجان، فمنبعه المواطن الخليجي ذاته الذي كان يتمنى ويخشى في آن؛ يتمنى أن تصدق ادعاءات أولئك المسئولين، ويخشى من عواقب كانت مقدماتها بمثابة أدلة على فداحة نتائجها.

واليوم تلاشت كل تلك المظاهر كي يحل مكانها مشهد واحد فقط هو مشهد الأزمة المستفحلة التي تؤكد كل مؤشراتها على احتمال طول أمدها، وعلى أنها لن تنقشع، بحسب التوقعات المغرقة في تفاؤلها، قبل حلول العام 2010.

ليس المقام هنا مقام التشفي، ولا كيل التهم، ولا إلقاء اللوم على هذه الجهة أو تلك، فالمطلوب اليوم من عقلاء القوم ومسئوليه أن يهبوا ويتحركوا لانتشال الاقتصاد الخليجي من الأزمة التي تهدد بالتهام الاحتياطيات المالية المتراكمة على مدى السنوات الماضية التي انتعشت خلالها الأسعار، بل ستمتد إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير كي تصل إلى أصول المؤسسات المالية، قطاعا خاصا كانت أم تتبع لملكية الدولة.

وستمتد ألسنة نيرانها كي تنتقل من الحقول الاقتصادية لتمس الاجتماعية، بل وحتى السياسية منها، لذا فلابد من قرع نواقيس خطر احتمال تآكل قطاعات اجتماعية لها حضورها الكبير في الحراك الاجتماعي، والمقصود هنا تلك الشريحة الحيوية من الطبقة الوسطى التي تشكل وسادة الأمان الاجتماعية التي تمتص تصاعد الصراعات وتحول دون انفجارها في شكل صدامات اجتماعية تتطور كي تتحول إلى معضلات سياسية.

المجتمع الخليجي اليوم بحاجة إلى عقلائه، من لا يأبهون بالمكاسب السياسية الآنية والقصيرة المدى، وممن لا تهزهم رؤية البعض يتسلقون الهرم الاجتماعي أو حتى المالي، فيكوّنوا الثروات الطائلة، في فترة قصيرة نسبيا، ومن خلال مشروعات هلامية، بالمعنى الاقتصادي التنموي، ليس بوسعها الصمود في وجه أزمات عارضة، فما بالك بأزمات بنيوية كالتي تعصف بشواطئ الخليج اليوم.

ما يطلبه المواطن الخليجي من عقلاء قومه، قد يبدو معقدا وصعب التحقيق، ولكنه في حقيقة الأمر قريب من الواقع وقابل للتطبيق.

هناك أولا وقبل كل شيء المؤسسات المالية والاستثمارية الهشة، بما فيها المؤسسات التابعة للدولة، قطْرية كانت أم إقليمية. هذه المؤسسات المنخورة، تأسست أولا، وبعد ذلك ازدهرت أبان الطفرات النفطية، لكنها غير قادرة على الصمود، ولا ينبغي أن تستمر في العمل أبان الأزمات، إذ إنها في مثل هذه المراحل تشكل عبئا ثقيلا يصعب تحمل أوزاره. هذه المؤسسات، وعددها ليس بالقليل، تمت هندستها، ومن ثم تأسيسها، تحقيقا لأهداف سياسية، لم تعد قائمة، ومن ثم فقد فقدت كل مبررات الاستمرار في مزاولة أعماله. فانتفاء الأسباب تدعونا إلى وضع حد للظاهرة التي رافقتها.

ثانيا وبعد ذلك نطالب عقلاء القوم أن يلتفتوا صوب المؤسسات الأكثر قدرة على الصمود، لكنها بحاجة إلى مد يد العون لها، وفقا لقوانين مالية واقتصادية تبررها أنظمة وإرشادات الشفافية الاقتصادية.

قد يبدو الأمر معقدا بعض الشيء، وربما يعتقد البعض أن هذا الطريق طويلة، لكن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة جادة واحدة. وأكثر من ذلك، من قال إن المواطن بحاجة إلى جرعة مهدئة، والكل يعرف أن العلاج الجذري الصحيح لأزمة من نمط التي تواجهنا بحاجة إلى برنامج طويل المدى.

ثالثا، وليس أخيرا، سيكتشف عقلاء القوم وحكماؤهم، وهم يكيلون التراب على الفاسد، وينفضونه عن الصالح، أن هناك إمكانات بشرية، كانت متوارية عن الأنظار، عليهم الالتفات نحوها وإعطائها الفرصة التي يحتاجها أي نهوض اقتصادي حقيقي.

هناك الكثير من الكفاءات البشرية المحلية ممن أدارت مؤسسات صناعية تجارية ضخمة بالمعيار العالمي، وهي لاتزال قائمة اليوم وتعمل بنجاح. جيش الموارد البشرية المحلية الموهوبة وذات الخبرة الغنية ممن بوسعها المساهمة في مشروع تنموي نهضوي ينقذ البلاد من أزمتها ويعيد الثقة في اقتصادها، يتطلع نحو عقلاء القوم ويمد أياديه لهم.

وبعد كل هذه الدعوات أما آن لعقلاء القوم وحكمائه أن يتحركوا قبل فوات الأوان؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2311 - الجمعة 02 يناير 2009م الموافق 05 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً