في بداية العام 1991 ثبت بما لا يدعو الى الشك ان قوات التحالف استعملت أسلحة مشعة ضد القوات العراقية. إذ قصفت كل مناطق العراق مدنا وقرى حتى البعيدة عن ميدان المعركة بكميات رهيبة من هذه الأسلحة الفتاكة.
مئات الدراسات عملت على دراسة التأثير السيئ لهذه الأسلحة على البيئة وعلى الأشخاص الذين يتعرضون لها، ليس العراقيين فقط بل والجنود المحاربين وعائلاتهم. فمن حقهم أن يعرفوا ماذا حصل لصحتهم بعد الحرب. وما سبب أعراض حرب الخليج؟
في حرب الخليج العام 1991 كانت أعداد القتلى العراقيين ضخمة، فقد توفي 100 ألف جندي، وأسر 85 ألفا. وذكرت حركة السلام العالمية ان من بين 300 ألف عراقي تضرروا هناك 90 ألفا توفوا بعد الحرب، وبسبب الحرب والعقوبات ارتفعت نسبة الوفيات بين أطفال العراق ثلاثة أضعاف. ففي الأشهر الثمانية الأولى من 1991 توفي ما يقارب 50,000 طفل عراقي.
من ناحية أخرى كان القتلى بين صفوف الأميركان 147 جنديا فقط، والسبب في قلة عددهم يكمن في نوعية الأسلحة الفتاكة التي استعملت والتي تقضي على العدو عن بعد. ولكنهم لا يذكرون ان 90 ألف جندي أميركي تضرروا، الى جانب عشرات الآلاف من البريطانيين والفرنسيين والسعوديين والمصريين والاستراليين والكنديين، أصيبوا بأمراض مزمنة وقاتلة.
ان وفاة 174 جنديا عدد قليل بالنسبة إلى النصر والمكاسب ولكن إذا اضفنا إلى هذا العدد المرضى والتشوهات الخلقية والامراض السرطانية المتوقعة في الجيل القادم من أطفال المحاربين، وتضررات البيئة، فسيكون هناك رأي مختلف ومعارضة كبيرة للحروب.
وهذه بعض الحقائق عن استعمال هذه الأسلحة المحرمة دوليا، إذ انها تسبب دمارا شاملا، فهي من أسلحة الدمار الشامل. استعمالها يعتبر خرقا للقوانين والأعراف الدولية ولحقوق الإنسان ومن أهمها الحق في الحياة.
هنا نشرح عن إدخال اليورانيوم المنضّب في صناعة الأسلحة وتأثير المستويات القليلة من الإشعاع على الانسان والبيئة. ان هذه الأسلحة تسبب آلاما غير مبررة، ومعاناة كبيرة لكل من الجنود والمواطنين العاديين وهي مؤشر على الحقد والرغبة في التدمير الشامل والقضاء على أجناس بشرية، وهذا يعتبر محرما دوليا.
تاريخ صنع هذه الأسلحة
درس البنتاغون والجهات العلمية في اميركا أسباب الأمراض التي عانى منها المحاربون في حرب الخليج التي كانت متشابهة، وهذه الأعراض عانى منها الأشخاص الذين تعرضوا للقنبلة الذرية في صحراء نيفادا أثناء عمل التجارب على هذه الأسلحة. كما تعرض لها المواطنون الأميركيون الأصليون خلال عملهم في مناجم البحث عن اليورانيوم. وكذلك الملايين الذين تعرضوا للقنابل في الحرب العالمية الثانية العام 1945 بسبب الاستنشاق او البلع، إذ ان هذه المواد تبقى لفترات طويلة ولها تأثيرات مباشرة وتأثيرات متأخرة على جهاز المناعة. وقد تعرضت لها حيوانات التجارب في أبحاث الطاقة الأميركية العام 1943. ولكن الكونغرس مازال يتجاهل ذلك ويخصص بضع ترليون دولار لإنتاج هذه الأسلحة.
ان وزارة الدفاع الأميركية لديها بليون رطل من المخلفات النووية نتيجة تخزينها لمدة 50 سنة بعد إنتاجها، وجزء من عملية التنظيف يكمن في إهداء مادة اليورانيوم المنضّب إلى كل من يريدها مجانا لصنع أسلحة فتاكة.
كان هناك تخطيط ان تجمع كل المخلفات المشعة من كل أنحاء الولايات المتحدة وتنقل برا او بحرا الى نيفادا وتدفن في جبل يوكا. وإذ ان اليورانيوم يظل ساما لمدة 250 ألف عام قامت معارضة شديدة منعت إصدار القانون.
ان اليورانيوم المنضّب مشع وسام وقامت الحكومة بتغطية كل اخطارها. وقد ذكر ان الجنود استعملوا كحيوانات تجارب للبنتاغون فآلاف الجنود تعرضوا لسحابات من غبار اليورانيوم التي دخلت أجسامهم من دون علم منهم.
العقلية العنصرية نفسها أقامت التجارب الإشعاعية على الفقراء والمصابين بالتخلف العقلي والنساء الحوامل والجنود من دون علمهم. وهناك تقارير عن وجود عشرات الآلاف من المتضررين عن طريق حقنهم بمواد مشعة منذ العام 1945 من الأميركان غالبيتهم سجناء وفقراء ومعوقون. الى جانب سكان جزيرة مارشال الذين نقلوا إليها مع العلم ان درجة الإشعاع عالية فيها.
وقد لوحظ في حرب الخليج الثانية ان نصف الجنود كانوا من السود أو من أصل لاتيني في حين انهم يشكلون 20 في المئة من السكان. وهذا يعني ان أعراض المرض ستظهر على تلك المجتمعات الصغيرة والمحرومة.
هناك تجربة آلاف السكان الأصليين الذين عملوا في استخراج اليورانيوم من الأرض في المناجم والجنود الذين تعرضوا لليورانيوم المنضّب، وقد رفعوا قضايا أمام المحاكم. وبعد كل هذه المعركة في القضاء وفي الإعلام الى جانب التقارير العلمية، لم يعوض إلا 455 من الجنود الذين تعرضوا لآثارها السيئة، الى جانب تعويض 50 من السكان الأصليين العاملين في المناجم لإخراج اليورانيوم بتعويضات قليلة.
كل هذه المعلومات لابد ان تكشف، إذ ان هذه الأمور مغطاة تحت بند سري للغاية.
في العام 1991 وبعد استعمال هذه الأسلحة للمرة الأولى في التاريخ في حرب الخليج، نشر تقرير سري قدم إلى وكالة الطاقة النووية عن الغبار المشع الذي انتشر في مناطق المعارك في العراق ولوث الأكل والماء. وتكلموا عن 40 طنا من اليورانيوم في حين ان الحقيقة هي انهم استعملوا 300 طن منه.
وقد جاء تحذير من رئيس العمليات الكولونيل لاندري الى الجنود أثناء الحرب كالآتي:
«- الرجاء العلم بأن الأسلحة التي تشتمل على اليورانيوم المنضّب ملوثة إشعاعيا.
- يجب عدم لمس هذه الأجهزة الملوثة.
يجب لبس القفازات الخاصة عند لمس الأجسام التي ضربت بواسطة أسلحة اليورانيوم المنضّب.
وهذه المواد تسبب مشكلات صحية خطيرة عندما تستنشق أو تبلع».
وجاء في تقرير آخر أنه لم يتعرض لهذه الأخطار إلا الأشخاص المستهدفون بهذه الأسلحة. وذكر انها استخدمت فقط في الصحراء وأماكن غير مسكونة، وان اخطارها تكمن في الغبار الصادر عنها مباشرة بعد القذف ولكن من الممكن التعرض لخطر الإصابة بها أيضا عند لمس هذه الدبابات المحطمة. وذكر ان تأثيرها على السكان والذات في العراق والكويت محدود.
العام 1991 ذكر تقرير لوكالة الطاقة النووية البريطانية ان هناك مناطق محددة في العراق والكويت بها نسبة تلوث عالية في التربة اكثر من المسموح بها دوليا، وهذا يسبب خطرا على السكان المحليين متمثلا في تنشق الجسيمات الصغيرة من اليورانيوم المنضّب المحمولة في الهواء. إذ انه عندما تصطدم مقذوفة اليورانيوم بجسم صلب مثل الدبابة فإن اجزاء وجسيمات منها تنتشر في الجو وهي تسبب تسمما وضررا كبيرا على الانسان والبيئة.
العام 1992 ظهر تقرير عن تأثير الحرب والمقاطعة ذكر وجود اطفال بتشوهات خلقية وسرطان مثل سرطان الدم والغدد الليمفاوية مع عدم توفير الادوية.
ما هي مقذوفات اليورانيوم المنضّب؟
مقدوفات اليورانيوم المنضّب انتجت بموافقة البنتاغون العام 1960 بوصفها مضادا للدبابات يساعد على اختراقها. واليورانيوم المنضّب يكون الغلاف لهذه المقذوفات وهو مشع وكان يستعمل في صنع القنبلة الذرية، والاسلحة النووية. هذا المعدن صلب للغاية ويوفر مجانا في صناعة الاسلحة النووية. وعندما يقذف فإن المقدوفة تنفجر مكونة لهبا كبيرا يساعد على اختراق الدبابة او اية مركبة حربية او سيارة، كما يسبب في اشتعال وتبخر الديزل ويموت حرقا كل من في المركبة.
وقد اكتشف احتواء اجسام المقاتلين والمصابين من جنود التحالف على بقايا مواد مشعة. وإذ ان العراق لا يملك هذا فإن مصدره الاكيد هو قوات التحالف. ويرجع الكثير من الاطباء سبب ارتفاع نسبة السرطان بين الاطفال، والانتفاخ الغريب في اجسامهم وخصوصا في منطقة البطن، إلى هذه المقذوفات المشعة. إذ شوهد اطفال يلعبون بأغلفة المقذوفات وحول الدبابات المحطمة في البصرة. مثال على ذلك ما ذكرته صحيفة «لوموند ديبلوماتيل» العام 94 عن حالتين بين جنود التحالف. الحالة الاولى للسرجنت ديرل كلارك إذ يذكر ان وحدته كانت قريبة من دبابة عراقية حطمت بقذائف اليورانيوم وقد انجب ابنته بعد الحرب وثبت ان لديها ورما في المرارة ولا توجد لديها غدة درقية. اما الحالة الثانية فهي لجندية تدعى كارول بيكو وتعمل في وحدة قريبة من الدبابة المدمرة. وذكر المعالج ان حالتها تشبه حال شخص تناول مواد مشعة.
أعراض المرض
عندما يدخل اكسيد اليورانيوم إلى الرئة فإنه يمكث فيها فترات طويلة وربما إلى الابد، كما ان تأثير هذه المادة تأثير إشعاعي إلى جانب التأثير الكيماوي إذ يؤدي وجود اكسيد اليورانيوم في الرئة إلى انتفاخ أنسجتها ما يقلل طاقة الرئة على العمل بمقدار النصف ويؤدي إلى القضاء على عمل الرئة كلية خلال سنة نتيجة الشلل وتلف اغشية الرئة، وإذا عاش الانسان فإن هناك احتمالا قويا للاصابة بمرض سرطان الرئة.
من الاعراض الاخرى الشعور بالارهاق والتعب، والصداع المزمن، وآلام في المفاصل، والفشل الكلوي واضطرابات في الجهاز الهضمي، وصعوبة النوم، وفقدان الذاكرة، ما يجعل الاستقرار في الوظيفة والعمل صعبا.
كما ان هناك اشخاصا يصابون بالاغماء والصداع النصفي الشديد إلى جانب تزايد حالات العقم في الجنسين وزيادة حالات الاجهاض وموت الاجنة قبل الولادة والتشوهات الخلقية في المواليد.
هذا الاشعاع يقضي تدريجيا على جهاز المناعة في الناس، ويسهل تعرضهم للأمراض. إذ ثبت ان استعمال هذه الاسلحة ادى الى اضرار بالصحة العامة وتسبب في أمراض غير قابلة للعلاج منها السرطان والفشل الكلوي وأمراض تنفسية خطيرة وتشوهات وامراض جلدية وأمراض غامضة وقاتلة.
في دراسة عراقية
قام فريق من الاختصاصيين العراقيين بدراسة نسبة الاشعاع في المناطق المختلفة للعراق التي تعرضت للعمليات العسكرية، ودراسة أعداد الدبابات والمركبات المحطمة. وأخذوا عينات من البيئة لدراسة نسبة التلوث وأثبتت الدراسات استعمال قوات التحالف هذه الاسلحة المحظورة المسببة للتلوث الاشعاعي إذ ان نسبة الاشعاع من ا
العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ