العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ

التعاون داخل غرفة خشبية مكتظة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أثناء فترة خدمتي في العراق كمحقق، وجدت نفسي وجها لوجه في قمرة التحقيق، وهي غرفة خشبية صغيرة مكتظّة، مع أناس هم ذوي رتب عالية في تنظيم القاعدة.

أجريت أكثر من 300 عملية تحقيق وأشرفت على أكثر من 1000 أخرى.

معظم هؤلاء الرجال ساندوا بصورة أو بأخرى حملة أبومصعب الزرقاوي من التفجيرات الانتحارية التي دفعت العراق إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة. وفي الحقيقة، قال لي واحد من هؤلاء الرجال، وهو الإمام السني أبوعلي: «لو كنت أحمل سكينا لقطعت عنقك».

بعد ثلاثة أيام، كان أبوعلي يخبرني عن موقع بيت أمن للقاعدة يُستخدم للعمليات الانتحارية، هناك اعتقلنا الرجل الذي قادنا إلى الزرقاوي الذي قتل في نهاية المطاف على يد القوات الأميركية في يونيو/ حزيران 2006.

لماذا هذا التغير المفاجئ؟

وجدت أن التحقيق يسلط الضوء على أساسيات الحالة الإنسانية. في تلك الغرفة الخشبية المكتظة تصبح الكلمات عمالقة، وتنحدر الدموع شلالات، وتثور العواطف مثل النار في الهشيم، ويعود هذا جزئيا إلى أن المخاطر المتعلقة في التحقيق كبيرة، فهناك حيوات في الميزان. إلا أن هناك رابطا عميقا يحصل بين المعتقل والمحقق. فهما في نهاية المطاف إنسانان من بني البشر، ويحتاج كل منهما لشيء من الآخر، يتحكم المحقق بحرية المعتقل، ويتحكم المعتَقل بالمعلومات.

ما الذي أقنع أبوعلي أن يتحول عن القضية التي كان يخدمها قبل 72 ساعة فقط؟ إنه ابنه.

سعينا أنا وزميلي لمدة ثلاثة أيام لأن نفهم أبوعلي كفرد. فقد كان هذا رجل له عائلة. رجل انضم إلى القاعدة بسبب الحاجة للحماية من ميليشيا الشيعة التي قتلت أفضل صديق له وأخرجته بالقوة من منزله.

بدأت أفهم، خلال هذه الأيام الثلاثة الطويلة من التحقيقات، أبوعلي كرجل امتلأ حقدا، ولكنه مليء بالأمل كذلك. كان يكره أميركا لأنها وضعته في وضع اضطر فيه أن ينضم إلى القاعدة، ولكنه حافظ كذلك على أمل بأن أميركا ستعكس بالنهاية مسارها وأن تمد يدها إلى السنّة.

ذكّرت أبوعلي بشكل متواصل أن مستقبل العراق يقع في أيدي أبنائه وبناته، وحتى يتسنى تحقيق السلام، سيتوجب على الجيل المقبل أن يجد طريقا نحو المصالحة.

قلت له: «انظر، نحن الأميركيون ارتكبنا العديد من الأخطاء، ولكن ذلك لا يعني أننا لا نستطيع العمل معا لإصلاح هذه الأخطاء الآن». وعندما سئل ما إذا كان يريد أن يكبر ابنه في دائرة العنف هذه، أجاب: «أريد أن يكبر ابني بسلام». وقتها فقط اتخذ القرار برفض ايديولوجية الزرقاوي المتطرفة في عدم تسامحها.

يشير هذا الحدث التكتيكي إلى استراتيجية أوسع يجب اتباعها من قبل صانعي السياسة الأميركيين. وبكلمات فريدريك كاغان، وهو أستاذ في التاريخ العسكري في الأكاديمية العسكرية الأميركية، «لسوء الحظ تتجه حكمتنا العسكرية الحالية بشدة نحو رؤية جميع الأعداء المحتملين كمجموعات أهداف، وليس كمجموعة من بني البشر تحمل أسلحة، حيث ما يهم حقا هو التفاعل مع بني البشر».

نتج عن هذا الموقف حالات متعددة من التعذيب والانتهاكات في خليج غوانتانامو وأفغانستان والعراق.

يتوجب على الولايات المتحدة أن تغير موقفها حيال التحقيقات من موقف يرتكز على الخوف والسيطرة إلى موقف يرتكز على التفاوض والحلول الوسط. يعود التعذيب والأساليب القاسية بنتائج عكسية على منع الهجمات الإرهابية، حيث أنها تؤدي أحيانا إلى معلومات زائفة. فالمعتقَل سيقول أي شيء لإيقاف الألم. كما أن هذه الأساليب تتعارض بشكل مباشر مع المبادئ الأميركية الأساسية كالحرية والعدالة. vانضم العديد من أفراد القاعدة إلى التنظيم لأسباب لها علاقة ضئيلة بالعقيدة، ولا يمكن إلا من خلال التوجه نحو «أعدائنا» بروح من التعاون والتفاوض أن نتمكن من تحقيق نهاية سلمية لهذا النزاع.

لقد وعد الرئيس المنتخب باراك أوباما باعتبار التعذيب مخالفا للقانون عبر الحكومة الأميركية بكاملها، وأن يغلق خليج غوانتانامو. لدينا فرصة نادرة لتغيير اتجاهنا.

*حاصل على وسام النجمة البرونزية وخدم 14 سنة في سلاح الجو الأميركي، وألف كتابا عنوانه «كيف تكسر شوكة الإرهابي: المحققون الأميركيون الذين استخدموا العقل بدلا عن الوحشية لإسقاط أخطر رجل في العراق»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً