يبدو أن عددا غير قليل من أنظمتنا العربية تشعر برحابة صدر لما يحدث داخل غزة وتحديدا مع حكومة حماس التي تعتبر مصدر إزعاج كونها تمثل شرعية شعبية منتخبة رافضة للخنوع والإذعان.
قد يخرج بيان استنكاري وآخر على هيئة حلول للضغط على حماس، لكن ذلك لن يجدي نفعا ولن يحرك ساكنا إزاء للمجازر التي ارتكبتها وترتكبها «إسرائيل» حتى لحظة كتابة هذا المقال ضد أبناء غزة الذين مزقهم النظام العربي العاجز عن إنصاف شعب وقضية عادلة.
«العرب الدكتاتوريون»، كما وصفتهم إحدى الأمهات الفلسطينيات وهي تصرخ وتصرخ بأعلى صوتها أمام عدسات المصورين في إشارة إلى أن الأنظمة العربية لم تعد تهمهم صرخات النساء والأطفال مادام أن ذلك سيحقق هدفا متفقا عليه ضمنيا مع «إسرائيل» وهو ذبح المقاومة من داخل الأرض الفلسطينية ليتحول الجميع إلى ما وصلت إليه الحال العربية العاجزة.
إنهم -على حد تعبير المرأة الصارخة- لا يأبهون بفلسطين ولا بغير فلسطين، فكل ما يهمهم هو استمرار مصالحهم، وكثير من الأنظمة تعلم علم اليقين بأنها تناقض بعضها بعضا... لذلك فآي موقف يرتجى منها مادامت قد أغلقت كل خيار حقيقيه لنصرة فلسطين.
هذا الكلام ليس بجديد, ولكن الضوء الأخضر لمجازر غزة هو الأمر الأكثر وضوحا، وهذا لم يأتِ عن طريق الصدفة وإنما هو نتاج لمسيرة مملوءة بالإذلال للشعوب العربية، وانتهت الآن بذل وخزي للجميع.
إن الشارع العربي لا يتوقع المعجزات من قبل حكوماته التي يتمتع بعضها بعلاقات دبلوماسية مع «إسرائيل» وأخرى تسعى إلى مختلف أنواع التطبيع بكل جرأة بينما تواصل مجموعة أخرى من الدول العربية التطبيع السري عن طريق اللقاءات.
إن هذا الأمر برمته يدفع إلى القول إن القمم سواء انعقدت أم لا، لن تقدم كثيرا ولن تؤخر كثيرا... فنحن في عصر ذليل، وما يحدث الآن يعتبر نكبة ثانية بعد نكبة 1948، ومصر التي كان لديها الكثير من النفوذ على العالم العربي تقلص دورها إلى غزة فقط، وهي الآن تخسر غزة أيضا. إن الصرخات العربية تنطلق من أناس يشاهدون على الفضائيات كيف تقصف «إسرائيل» الشعب الفلسطيني الأعزل، وما يجعل الأمر محيرا هو أن الصرخات المنطلقة من بلدان بعيدة عنا ربما أكثر دويا وأكبر أثرا. إنها نكبة ثانية.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 2307 - الإثنين 29 ديسمبر 2008م الموافق 01 محرم 1430هـ
