يخطئ الكثير منا عندما يتوهم أن مسئولية انتشال أي مجتمع من أية أزمة تحيط به تقع على الدولة وحدها. ولربما نمت هذه الذهنية في منطقة الخليج، بما فيها البحرين، أكثر من سواها من دول العالم، من جراء كبر الحيز الذي يحتله النفط في الدخل العام للدولة من جهة، وملكية الدولة لهذا القطاع وحقها المطلق في التصرف فيه من جهة ثانية.
ليس القصد هنا إغفال دور الدولة أو حتى تقليصه، بقدر ما هو تسليط الأضواء على مهمات القطاع الخاص في مرحلة الأزمات، ورؤية التكامل الذي يفترض أن يتم بين القطاعين العام والخاص في تلك المراحل.
أول خطوة على طريق تحديد دور القطاع الخاص، هو اقتناع القطاع الخاص البحريني بأن هناك دورا مناطا به، ولا يمكن أن يمارسه أحد سواه. والمطلوب هنا ليس حالات فردية متناثرة هنا أو هناك، بقدر ما هي ذهنية شريحة أو فئة متماسكة من المجتمع تمثل القطاع الخاص بكل أطيافه السياسية والاجتماعية، تأخذ على عاتقها الترويج لفكرة هذه «المسؤولية» وتحدد إطار مشاركة القطاع الخاص فيها. المطلوب هنا أن يغادر القطاع الخاص مقاعد الاعتماد على مؤسسات الدولة وحدها أو الهيئات المنبثقة عنها في التصدي لوحدها لتلك المشكلة، وامتلاكها الحلول الصحيحة لها.
ثاني خطوة مهمة على هذا الطريق، هي سعي القطاع الخاص البحريني، وبشكل جماعي لتحديد الحجم الحقيقي للأزمة، دونما مواربة أو تخوف. ففي غياب هذا التحديد العلمي المبني على حقائق مستقاة من دراسات علمية جادة ورصينة، تتطور الأزمات إلى كوارث، و تتحول «الحلول الجذرية» إلى تمنيات عفوية يملك الحظ وحده قرار قدرتها على أن تضع حدا للأزمة أو تحمي المجتمع من ذيولها.
ثالث هذه الخطوات هي مصارحة القطاع الخاص نفسه وجماهيره، مصارحة شفافة وحقيقية وصادقة تخاطب أفراد هذا القطاع ومؤسساته على نحو صريح، وتكشف له أوجه الأزمة وذيولها، فليس الوقت وقت المداهنات، ولم يعد في الوسع الاستعانة بالمهدئات، فطبيعة الأزمة، وتوقعات تداعياتها، تشير إلى أننا مقدمون على أزمة بنيوية تمس عمق الاقتصاد البحريني وتهزه من الجذور. لذا لا يمكن لأي مشروع إنقاذ أن يحقق أية نجاحات، مهما كانت طفيفة ما لم يكن مبنيا على التوجه نحو الجذور وليس الأطراف.
ثالث هذه الخطوات هو تأسيس جهة من صلب القطاع الخاص البحريني، أو مخاطبة جهة قائمة لها جذورها الراسخة في صفوف القطاع الخاص، وقنواتها الكفوءة التي تمكنها من الوصول إليه. وفي هذا المجال تشكل غرف التجارة والصناعة أو المؤسسات المشابهة لها بعضا من الهيئات التي يمكن الاستعانة بها. على أنه من الضرورة بمكان هنا الابتعاد كلية عن التشرذمات السياسية أو حتى المهنية أو التجارية غير المبررة، أو الأنانية القطاعية التي من الطبيعي أن تمزق القطاع الخاص وتقف سدا منيعا في وجه وحدته أو التنسيق والتعاون بين مؤسساته التي تمثله.
وطالما أننا نتحدث عن القطاع الخاص البحريني، فليس هناك من جهة قادرة على اتخاذ تلك الخطوات كافة، وبشكل تكاملي، أفضل من غرفة تجارة وصناعة البحرين، ولن تكون هناك مؤسسة أكثر حرصا منها على تجيير قوى القطاع الخاص وشحذ هممها لدرء مخاطر الأزمة أو بعض منها من الغرفة، وأكثر من كل هذا وذاك، ليس هناك اليوم في البحرين من يملك الرصيد التاريخي التي تملكه الغرفة.
ولربما شهدنا خلال الأشهر الأربعة الماضية مجموعة من الفعاليات التي دعت إليها الغرفة، وأشركت فيها العديد من الشخصيات الوطنية، العاملة في القطاعين العام والخاص لتسليط المزيد من الأضواء على تلك الأزمة، لكن تسليط الأضواء، شيء والانخراط في خطة لمواجهة الأزمة شيء آخر. جميل جدا أن تبادر الغرفة إلى عقد تلك الندوات والفعاليات الثقافية، لكن الأهم من ذلك كله أن نرى الغرفة وهي قادرة بحكم الصفوة المالية والتجارية التي يمثلها أعضاء مجلس إدارتها القائم، على أن تكون جزءا من مشروع وطني بدلا من التوقف عند حدود العصف الذهني، أو الحوار الثقافي.
وعلى الغرفة، وهي في طريقها نحو طرح مبادرة وطنية من أجل درء أو تخفيف وطأة الأزمة المالية المقبلة نحو البلاد، أن تواجه بعض الضغوطات أو شيئا من المنقصات، أو حتى محاولات إحباط وتثبيط الهمم من قبل جهات معينة، البعض منها ينتمي للقطاع العام الذي لن تريحه كثيرا رؤية القطاع الخاص، حتى وإن كان ذلك من غير قصد من قبل القطاع الخاص، وهو يأخذ دور الريادة ويتقدم الصفوف، حيث أن الذهنية السائدة اليوم أن مواجهة الأزمة هي من صلب مهمات القطاع العام، والبعض الآخر ربما ينبري من صفوف القطاع الخاص نفسه، هذا البعض الغارق في سبات بيات صيفي عميق، لا يريد أن يوقضه أحد منه، ولا يريد، من باب الحسد والغيرة، أن يقوم به أحد آخر سواه، وهو ينطبق عليه المثل القائل «لا يرحم ولا يخلي رحمة الله تنزل».
ويبقى أملنا أن نرى الغرفة تتقدم الصفوف وترفع راية الرغبة في التصدي للأزمة قبل استفحالها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2304 - الجمعة 26 ديسمبر 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1429هـ