العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ

أوضاع هشة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ركّزت أغلب الصحف الثلثاء الماضي، على تصريح «المصدر الحكومي رفيع المستوى»، من أن وزارة المالية بدأت توجيه جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى خفض مصاريفها بصورة عاجلة، وإلى أقصى حد ممكن، بسبب تراجع أسعار النفط إلى 34 دولارا للبرميل، وهو ما يعني 27 دولارا للبرميل البحريني.

المصدر المسئول أوضح أن التوصية تتضمن ضرورة ترشيد النفقات للتقليل من العجز المالي في الموازنة الذي أصبح خطيرا، كما أصبحت عوائد الدولة بالكاد تغطّي نفقات رواتب موظفي الحكومة الذين يتجاوز عددهم 40 ألفا، إضافة إلى بعض المشاريع الرئيسية.

المصدر الحكومي لم يستبعد أيضا الحدّ من عملية ترقيات الموظفين الحكوميين التي تزيد من النفقات في بند الرواتب. بل إن عددا من الجهات الحكومية قامت فعلا بإيقاف صرف ساعات العمل الإضافية لموظفيها عن الشهر الجاري، على إثر تعليمات ديوان الخدمة المدنية بتقليل صرف الساعات الإضافية.

هذه التفاصيل أنقلها من صحيفةٍ مقرّبةٍ جدا للحكومة، ووردت تفاصيلها بصيغٍ أخرى في ثلاث صحف أخرى ليس من بينها «الوسط». ربما يكون وراء هذا التصريح دوافع تتعلق بتعاطي الحكومة مع مجلس النواب، الذي يشدّ الحبل من جانبه لاستمرار علاوة الغلاء والسكن وغيرها من مطالب شعبية وراءها غايات انتخابية، إلا أنه لا يمكن التقليل من شأن هذه التصريحات بأيّة حال من الأحوال.

من المستعبد أن المصدر الحكومي المسئول لم يحسب حسابات هذا التصريح على حركة الاستثمار وثقة المستثمرين بوضعنا المالي؛ وعلى سمعة البلد في الخارج، حين يصوّرها في حالةٍ من العجز الخطير، مع الإعلان عن هذه التعليمات المشدّدة إلى درجة وقف ساعات العمل الإضافي. مع ذلك لا يمكن أن نغفل الجانب الضاغط الذي يقف وراء مثل هذا التصريح، فتهاوي أسعار النفط دون الأربعين دولارا، بينما بنينا موازنتنا قبل شهرٍ واحدٍ فقط على الستين دولارا، لاشك أنه كارثة بمعنى الكلمة.

المتضرّرون المباشرون من قرار الخدمة المدنية هم موظفو الحكومة الأربعون ألفا، أو لنقل جزءا منهم، أمّا من سيلحقهم الضرر الأكبر فهم الغالبية العظمى من الشعب. فانهيار أسعار النفط بهذه الصورة يعني أول ما يعني انهيار أحلام المواطنين في أية مشاريع إسكانية جديدة، باعتبار الإسكان أكبر تحدٍ سيواجه البحرين مستقبلا. هذا بينما كان يُنظر إلى الطفرة النفطية الأخيرة على أنها الأمل الوحيد لحلّ مشكلة الإسكان، فيما لو وُجّهت المخصّصات الكافية لبناء المدن الجديدة الموعودة التي انتهت إلى سراب.

ربما يُقال إن «أختك مثلك»، فكل دول الخليج تعاني مثلنا من عجزٍ، بما فيها الشقيقة الكبرى (السعودية) التي أعلنت عن عجزٍ بنسبة 6.9 بالمئة بعد تراجع أسعار النفط، لكن الفرق أن لدى الآخرين فوائض ستعوّض العجوزات، بينما سيكون علينا شدّ الأحزمة وعيش الكفاف، وخصوصا بعد أن اشترينا لأنفسنا سياسات تجنيس «جماعات قبلية ورعوية»، ونُطالبُ الآن بدمجها قسرا في بلدٍ يعتمد على مصدرٍ وحيد للدخل، ويُعاني من مصاعب اقتصادية واحتقانات سياسية وتنميةٍ متعثرةٍ ومضاربات في العقار.

كل هذا نواجهه بالتضييق على الحريات والتجمعات العامة، والحلول الأمنية، والتلويح بتطبيق قانون الإرهاب على مظاهر الاحتجاج التي تعتبر أحد بديهيات التحليل في الاقتصاد السياسي

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً