لست في صدد الوقوف ضد طموحات وأحلام الجامعيين العاطلين عن العمل أو انتقاد مواقفهم وتحركاتهم، بل لربما أحلم معهم الحلم نفسه وأتمنى لهم تحقيق طموحاتهم وأكثر منها، وأعرف أن هناك من يأمل أن يتوظف في أية وظيفة توفر له الحياة الكريمة بعيدا عن الأحلام والطموحات التي كانت تشغل باله في يوم من الأيام، وإن كان عليه أن يحلم كغيره من المواطنين، والحلم في حد ذاته أمر مشروع وطبيعي جدا ومن حقه أيضا أن يكون حلمه وردي حتى وأن كانت الأوضاع الحالية لا تبشر بأي خير، فالظروف حرمتنا من الكثير من الأشياء ولكن لا أظن بأن علينا أيضا أن نهجر أحلامنا أو نغادرها.
فالجامعي العاطل عن العمل اليوم يحلم أن يكون موظفا في إحدى الوزارات الحكومية حتى لا يعيش من جديد كابوس التخلص منه والعودة مجددا إلى طابور التعطل والانتظار، وهذا ما يوفره له القطاع العام، حتى لو تطلب منه حلمه أن يكون موظفا مجردا من الطموح والتطلعات، وأنه سيكون عرضة بصورة أكبر، أقصد فريسة لأي فساد، وما أكثر أنواع الفسادات التي تعج بها أروقة الوزارات الحكومية عن غيرها من المؤسسات في القطاع الخاص.
ولكن كل ذلك أعتقد بأنه لا يمنعني من تكرار ما أراه وعكس رؤية أجدها واقع بأن هناك من الجامعيين العاطلين عن العمل للأسف الشديد حاليا يتكبر على بعض الوظائف المطروحة على رغم قلتها، وأن هناك من يستنكف من العمل في وظيفة معينة وهناك من يرى نفسه أنه أكبر بكثير من أية وظيفة تطرح عليه، ويرى نفسه كبيرا وبالتالي فهو لا ينتظر أن يحصل على وظيفة عادية بل إن البعض يأخذه الغلو في التوقعات والطموحات العالية فهو يتمنى أن يكون مديرا قبل أن يكون موظفا ويرأسه مدير.
ولكن لا يعني ذلك أن كل من هو موجود يفكر بالإيقاع نفسه «ولو خليت خُربت»، بل نحن مازلنا بخير لأن هناك بالطبع من لا يهمه في الوقت الراهن سوى البحث عن الوظيفة التي توفر له الحياة الكريمة وبدوره يعيش حالة واقعية ويرى بأم عينه أن ظروف اليوم تغيرت كثيرا ولا بد من انعكاساتها على طموحاتهم وأحلامهم، وأن الطموح بحد ذاته إيجابية ولكن النظرة الواقعية تبدو أكثر انسجاما مع الواقع من الطموح.
ففي السابق كان الشخص هو من ينتقي الفرص لكثرتها ولقلة أعداد الجامعيين ولكونهم لا يقفون في طوابير التعطل والانتظارات، اليوم الظروف تغيرت والفرص أصبحت محدودة أكثر، فالفرصة النادرة اليوم هي من تقوم بالبحث عن الأشخاص المناسبين لها، بحيث تتجه إلى البعض وتستبعد آخرين، وبات هذا من حقها تماما كما هو الحق لدى الباحث عن العمل، واليوم المسألة باتت أكثر صعوبة لأننا نبحث عن توافقات وقناعات في اتجاهين مختلفين قناعة الوظيفة وكفاياتها ومدى انطباقها في الباحث عن العمل ومدى توفر المهارات اللازمة للوظيفة لدى الباحث عن العمل حيث أن أغلب المؤسسات اليوم تبحث عن الأشخاص الجاهزين الذين لا يحتاجون إلى جهد كبير في التدريب، وقناعة الباحث عن العمل وطبيعة الوظيفة المعروضة عليه ومدى انسجامها مع تطلعاته وطموحاته وكلاهما على حق.
وبات محور القيم الإيجابية للعمل وأخلاقياته غاية في الأهمية ولا يمكن التفريط فيها وباتت مؤشرا مهما ومعيارا في ضوئه يتحدد مصير الموظف من حيث بقائه أو الاستغناء عنه في المؤسسة، لا سيما أنها في أدنى مستوياتها بالنسبة للعاملين في القطاعين العام والخاص في ظل وجود حالات من الإحباط وعدم توفر القناعات، إن عدم توفر قدر من القيم الإيجابية وأخلاقيات العمل يمثل خطورة كبيرة وتهديدا لمؤسسات القطاع الخاص للمنافسات الكبيرة الموجودة فضلا عن كون انعدامها أو وجودها بمقدار غير مرضي مضر بالمؤسسات وتعد عاملا من عوامل نفور الزبائن وطاردة للفرص الواردة.
العاطل الجامعي اليوم عليه أن يثبت للجميع أنه على حق في مطالبه وأن القانون يكفل له تحركاته المشروعة في سبيل الضغط على الحكومة من توفير فرص العمل له، ومن واجبات الوطن والحكومة من دون شك أن توفر لهم الفرص الوظيفية المناسبة لا أن تدير ظهرها إليه وتتجاهله وتتجاهل مطالبه، وعليه أن يعمل على تطوير نفسه أكثر حتى ينجح في إقناع الآخرين بأسباب تمسكه بقناعاته من خلال أداءات ومهارات مقنعة لا من خلال طموحات وأحلام غير واقعية.
فكما نعرف وتعرفون جيدا أنه كلما زاد العرض قل الطلب، وهناك ما شاء من الجامعيين العاطلين عن العمل في تخصصات مختلفة اليوم في طوابير التعطل، وهناك طوابير أخرى لعاطلين جامعيين جدد في طريقهم للالتحاق بطابور التعطل الكبير الواقف حاليا، والمشكلة الحالية التي نعاني منها ليست في الجامعيين العاطلين بل نقول ونؤكد لكم من جديد أنكم ضحايا الظروف المتغيرة والمتحركة وأن هناك تحديات كبيرة عليكم أن تواجهوها حتى يكون مستقبلكم الوظيفي أكثر أمانا واستقرارا، وعليكم أن تقبلوا اليوم التحدي ومواجهته لا التمرد عليه ومقاومته فهي السبيل الوحيد لتحقيق الأحلام والطموحات والتطلعات
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2295 - الأربعاء 17 ديسمبر 2008م الموافق 18 ذي الحجة 1429هـ