قبل أربع سنوات من الآن، رفع أحد النواب البارزين في مجلس 2002 هذا الشعار أثناء تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في كشف ملابسات التجنيس، وهي اللجنة التي تم تمييعها بفعل فاعل.
لا أخفيكم سرا، أنني وجدت في هذا الشعار يومها نزعة عنصرية غير محمودة، وخصوصا أن الشعار كان عاما على نحو الإطلاق لا التخصيص، ولكن اليوم واليوم فقط أدركت أن هذا الشعار فيه حظ وافر من الشجاعة والواقعية فيما يتعلق بالواقع البحريني.
طبيعة مجتمعنا المسالم لم تعهد حوادث دامية من ذي قبل، وأهل البحرين جميعا لم يكونوا على عهدٍ بما يجري من اعتداءات على المواطنين من البعض من الأصول العربية.
البداية كانت في أوساط الطلبة، ولكن كرة الثلج تتدحرج، ولا يصح أن تترك الدولة الحبل على الغارب الآن، وهي المسئولة عن إنتاج هذا المسلسل الاجتماعي غير المتجانس.
الرفاع… ومن ثم جو وعسكر، والآن هاهي مدينة حمد، التي كانت نموذجاَ للتسامح بين أبناء البحرين ومفخرة من مفخرات المنجزات الحضارية أضحت عرضة للمناوشات اليومية بين فئات لا يربط بينها سوى الجواز، ولكنها متعددة الأجناس والأطباع والثقافات.
ما حدث في الرفاع ومدينة حمد يجب ألا يستمر، لأنه يحمل تداعيات خطيرة وخيمة على مستقبل هذا البلد المتسامح.
لست في صدد الحكم على ما وقع بتحميل المسئولية على عموم الذين كسبوا الجنسية البحرينية، ولكن الحقيقة التي كواضحة النهار هي أن الدولة التي جنست عشرات الآلاف لم تعمل على إدماجهم في المنظومة الاجتماعية البحرينية.
بصراحة، أنا لا أضع اللائمة على أكتاف الذين حصلوا على الجنسية البحرينية قبل فترة قريبة فقط، وإنما للجهات التي منحتهم الجنسية البحرينية، ليصبحوا بحرينيين بين عشية وضحاها من دون الالتزام بالدستور والقانون.
الساعون للحصول على جنسية أخرى غالبيتهم يبحثون عن رزق لا يجدونه في أوطانهم الأم، ولكن المشكلة أن البحرين محدودة الموارد وشحيحة الإيرادات، وليس في طاقتها تحمل الكلفة الباهضة لعشرات الآلاف من الحاصلين على الجنسية البحرينية الذين يشغلون وظائف كان من المفترض أن يشغلها البحرينيون العاطلون على أبواب الدواوين والوزارات.
ليس المطلوب الآن هو صب جام الغضب على المجنسين وبعضهم لا ناقة له ولا جمل في هذا الوضع، بل الدولة مدعوة لأن تقوم بدورها وتتخذ موقفا يكفل الحفاظ على التكافل الاجتماعي الذي كان على الدوام السمة الأبرز الملاصقة لهذا المجتمع.
الآن والآن فقط سيصبح النواب - كل النواب - على المحك، فهل ستكون لهم جرأة تشكيل لجنة تحقيق في هذا الملف الحيوي والمؤرق أم سيضعون رؤوسهم في الرمال، يتوارون من القوم، وكأن الأمر لا يعنيهم، ونوابا بهذا المستوى من فقدان المسئولية والحس الوطني ليسوا جديرين بتمثيل الشعب في هذه المؤسسة البرلمانية.
مشكلاتنا الإسكانية متراكمة وآخذة في التصاعد، ومواردنا المالية - كبلد قائم على النفط - آخذة في التقلص بفعل تذبذب البرميل في السوق الدولية، ولدينا آلاف الفقراء… وهناك ضغط هائل على المرافق العامة من مستشفيات ومدارس وبنية تحتية، فضلا عن بضع آلاف من العاطلين والعاطلين المتوقعين، فهل يصح أن تستمر سياسة التجنيس على ذات الوتيرة؟
ثمة أسئلة حقيقية وصعبة على السلطة أن تجيب عنها... مَن المسئول عما جرى من أحداث، ومن المسئول عما يجري ومن المسئول عما سيجري في مقبل الأيام؟
من باب النصح ومن وحي المسئولية نقول لمن يعنيهم الأمر: ما يجري له تبعات خطيرة على كل المسارات… ويهدد قواعد الاستقرار في هذا البلد الطيب… مستقبل البحرين في أعناقكم
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2291 - السبت 13 ديسمبر 2008م الموافق 14 ذي الحجة 1429هـ