الأخت سراج منصور كانت المرة الأولى التي التقيت معها، كان ذلك في مؤتمر الإبداع والشباب الذي نظمه مركز البحرين الشبابي التابع لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، في الشهر الماضي، كنت قد سمعت عن موهبتها الأدبية من خلال مسابقة جائزة الشملان للإبداع الوطني (الثقافة والأدب) التي ترعاها صحيفة «الوسط»، وكانت قد فازت بالمركز الأول عندما قدمت نقدا مميزا لإحدى مسرحيات الشاعر البحريني علي الشرقاوي تحت عنوان «شموع البنيوية تضيء سطور البرهامة الرمزية»، تحدثت معها بشأن مشاركتها وتوقعاتها بالفوز من عدمه فأشارت إلى أنها لم تكن تتوقع الفوز على رغم أنها بذلت قصارى جهدها في الإعداد للمسابقة، إذ كانت ملامح الإحباط تبدو على وجهها، ناسية بأن اسمها هو سراج ولا بد من تدفق الأنوار منه، واستطردت قائلة إنها كانت ترى في نفسها موهبة أدبية، وقد ساهمت بدورها في تأليف العديد من السيناريوهات المختلفة وتقديمها لتقييمها من قبل أساتذة الجامعة، ولكنها بدلا من أن تجد العون والمساعدة والدعم وجدت نوعا آخر من أساليب التطفيش والإحباط، ذلك السبب في اختفاء ملامح وعناصر السراج من وجهها على رغم أنها تتلبس اسما يكاد تتفجر منه المواهب.
فمن بين ما قالته إن أحد الأساتذة واجهها يوما بكلام هو أقرب للسم القاتل من الكلام العابر، فالملاحظات التي قيلت في حقها لا يمكن تصديقها فضلا عن أنها لا يمكن نسيانها، ولكنها اليوم لسان حالها يقول: شكرا إليك يا دكتور ألف مرة لأنها قبلت التحدي واثبتت من خلاله قبولها بأنها بالفعل صاحبة موهبة غير عادية وتحتاج إلى دعم ومساندة، ولكنها حالها كحال جميع الموهوبين في الوطن إن لم يكن في العالم، ليس هناك من يمد لهم يد العون فقط لكونهم أذكياء بما فيهم الكفاية وبالتالي لا حاجة لهم للآخرين ولا يمكن استدرار أية عاطفة منهم، على رغم أنهم يعانون من الإهمال وعدم الالتفات لاحتياجاتهم ولا للطاقات المعطلة فيهم.
ماذا قال لها أستاذها الذي بدلا عن دعمها وضع العصا في العجلة؟
قال لها كلاما جارحا مستهينا بها وبقدراته غير العادية، قال لها: هل مازلت مقتنعة ومصدقة نفسك أنك ذات موهبة وأن لديك القدرة والإمكانية في إنتاج مؤلفات وإنتاجات أدبية؟!
بدورنا نعلق على ملاحظات الدكتور الفاضل: إذا الجواب نعم والموقف صحيح إذ أنها لاتمتلك حتى رائحة الموهبة ولا قشورها، فإن الأسلوب المتبع حتما غير صحيح وغير تربوي ولا أخلاقي ويكاد يخلو من الذوق، وإذا كانت سراج تمتلك موهبة غير عادية بلحاظ إنتاجها ونتيجتها في المسابقة فإن الدكتور نفسه يفتقد إلى وجود خاصية الكشف عن المواهب أو تحسسه أو الشعور بها، فضلا عن أنه يعاني من صعوبات كبيرة في التعامل مع أصحاب الادعاءات، ويحتاج لدورات تدريبية تفيده في الحرم الجامعي وكيفية التعامل مع الطلبة غير العاديين.
فالمشكلة لا تكمن بأن ليس لدينا مواهب وإبداعات فهناك الكثير من النماذج لعل سراج واحدة منها، ولكننا نفتقد إلى وجود النظام الذي في ضوئه يتم الكشف عن مثل هؤلاء، فضلا عن أنه لا توجد برامج خاصة لرعايتهم أو سبل لاحتضانهم وتوجيه طاقاتهم المختلفة.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، سراج قبلت التحدي عندما عجزت الجامعة وأساتذتها عن كشف موهبتها ورعايتها وقامت بالدور بالنيابة عنهم فكشفت عن موهبتها بنفسها، وتعاطت صحيفة الوسط مع موهبتها بصورة إيجابية وكرمتها ماديا ومعنويا، تكريمها يعني وضعها من جديد على خارطة أصحاب المواهب، يعني خروجها من حالات الإحباط واليأس التي دفنت نفسها فيها عندما استقبلت الإهانات المتلاحقة من أساتذتها، وبدأت البسمة على شفتيها من جديد، تقول إنها لم تكن يوما تحلم بالفوز في المسابقة من أجل التكريم المادي وأظنها بحاجة إليه، ولكنها كانت بحاجة ماسة إلى التكريم المعنوي لأنها بالفعل تشعر بالجرح والألم، واليوم هي تتماثل للشفاء والعلاج بالفوز وإحراز المراكز المتقدمة، الفوز يعني رد الاعتبار لنفسها الكريمة ولموهبتها الصادقة.
عندما سألتها كيف كان رد فعل فوزك في المسابقة على صعيد الجامعة وأساتذتك؟، قالت كأن شيئا لم يكن، فلم يتفاعل أحد مع موضوع الفوز لا إيجابا ولا سلبا، ولكنها كانت في صحة نفسية جيدة. فالفوز بمثابة البلسم الشافي لجرحها الغائر. سراج تشافت والحمد لله، وهناك من لا يزال جرحه غائر وسيظل كذلك لعدم وجود الآليات والأساليب المناسبة للتعاطي مع الموهوبين والمبدعين وصارت القضية كالكرة الجميع يحذفها على الآخر.
الأخت سراج اليوم أثبتت من خلال عطائها في المسابقة على سبيل المثال أنها موهبة فذة فقد استطاعت إنجاز المطلوب منها في فترة قياسية لا تتجاوز الثلاثة أسابيع وهي لا تزال طالبة على مقاعد الدراسة في الجامعة وينتظرها طابور طويل من سنوات التعطل والبطالة الجامعية لكونها ستتخرج من كلية الآداب تخصص لغة عربية. وستدفن مع موهبتها في مقبرة الأحلام والطموحات الغائبة، ولا حياة لمن تنادي، ففي بلد آخر غير البحرين وفي بلد يعنى برعاية المواهب ويعطيها حقها الكافي يعني أن سراج يعرض عليها العديد من الفرص الوظيفية وهي على مقاعد الدراسة، وبعد تخرجها فإن الفرص أمامها تكون كثيرة فلديها إلى جانب الشهادة المهارات المطلوبة فضلا عن الموهبة، ولكنها يجب عليها أن تنسى أنها موهبة أدبية نادرة التكرار لتواجه قدرها المحتوم المنتظر لها، والتي لا تمييز إيجابي تجاهها ولكن ربما يكون هناك تمييز من نوع آخر في طريقها العاثر.
لا يجب أن نكون محبطين أكثر من الإحباط ذاته، ولكن قد يكون ما نقوله واقع محتوم ينتظر سراج وأمثالها فكم سراج قد دفناه في مقابر التجاهل من دون أن ندري أو مع سبق الإصرار والترصد؟ وكم سراج علينا تجاهلها وعلينا إحباطها وعلينا نسيان موهبتها؟ وكم سراج علينا أن نمحو من ذاكرتنا؟ حتى لا نطالب بتقديم المساندة والدعم؟
ذلك هو بيت القصيد وهذا ما يؤسف عليه
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2290 - الجمعة 12 ديسمبر 2008م الموافق 13 ذي الحجة 1429هـ