يبقى الإجماع الدولي واللجوء إلى الشرعية الدولية الركيزتين الأساسيتين للسياسة الفرنسية في تعاملها مع الأزمة العراقية. أما الأولوية، فهي لتأمين الحاجات والمساعدات الإنسانية للشعب العراقي.
والسؤال الذي يطرح بإلحاح على المسئولين في الخارجية الفرنسية هو الآتي: «هل ان فرنسا، من خلال حديثها عن البراغماتية تبحث عن الشكل الذي تؤمن فيه التغطية اللازمة، كنوع من القذائف الدخانية، للتراجع الذي تقدمه بشكل ما إلى الولايات المتحدة؟».
ذلك في ظرف تتساءل فيه جميع وسائل الإعلام الفرنسية عن وضع فرنسا الدولي وعزلتها على الساحة الدولية.
جوابا على ذلك يردد المسئولون الفرنسيون أن بلادهم ليست معزولة على الساحة الدولية ويذكرون أن الدول الأوروبية الخمس عشرة قد تبنت الموقف الفرنسي الداعي إلى الدور المركزي للأمم المتحدة وذلك على رغم محاولة بريطانيا إقناع بقية الدول الأعضاء بتبني عبارة «الدور المهم» للأمم المتحدة بدل عبارة «الدور المركزي».
وردا على الاتهام بالبراغماتية وعما إذا كانت هذه السياسة تضفي تراجعا أو تنازلا ما، تقدمه باريس إلى واشنطن، يكرر المسئولون الفرنسيون أن الأولية الآن هي لتأمين احتياجات العراقيين الملحة وخصوصا مياه الشرب.
ويقول بهذا الخصوص مسئول رفيع المستوى في الخارجية الفرنسية: «عندما يتعلق الأمر بإيصال المياه إلى الشعب العراقي فإننا لا نراعي الحسابات السياسية. ولأن الوضع تغير الآن فإننا نتعاطى بشكل مختلف مع الأزمة العراقية. وإذا غيرنا طريقة تعاطينا فلأننا نريد الإسهام في إيجاد الحلول الفعالة لمشكلات الشعب العراقي الملحة».
الوضع المأسوي الذي يواجهه العراق يدفع المسئولين الفرنسيين إلى نوع من الليونة وخصوصا بما يتعلق بالصفقات التي تقوم بها الإدارة الأميركية مع شركات أميركية في مجالات أساسية مثل الاستشفاء والمياه، إذ ان باريس لا تريد أن تتخذ موقفا من الأميركيين إنما من احتياجات الشعب العراقي بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية التي تعتبر أن إعادة توزيع المياه للسكان وإعادة تشغيل المستشفيات العراقية وتوفير الأمن وتشغيل المرافق العامة هي من الأولويات الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن.
وفي البحث عن حلول لهذه المشكلات تشدد فرنسا على التحرك الجماعي في إطار الأمم المتحدة إذ انها تريد البقاء وفية للمبادئ التي تدافع عنها في تنظيم العلاقات الدولية وهذه المبادئ لم تتغير بالنسبة إليها وترتكز بشكل أساسي على التحرك الجماعي الذي يجب أن يقوم به جميع أعضاء الأسرة الدولية وضرورة لعب الأمم المتحدة دورا أساسيا ومركزيا في هذه المرحلة بالذات.
وهذا الدور الأممي الذي تطالب به فرنسا يتجلى أيضا في موقفها من رفع الحظر الدولي عن العراق، إذ تربطه بقرار يقدمه المفتشون الدوليون المكلفون بإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية، إنما تنتظر باريس يوم الثلثاء لمعرفة ما ستقدمه واشنطن بهذا الشأن إلى مجلس الأمن، وذلك عملا بسياستها البراغماتية الجديدة
العدد 229 - الثلثاء 22 أبريل 2003م الموافق 19 صفر 1424هـ