العدد 2284 - السبت 06 ديسمبر 2008م الموافق 07 ذي الحجة 1429هـ

الوردة العربية النتنة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

جاء في الإنجيل: «من فمك أدينك». وها أن الرئيس الأميركي المغادر، مجلّلا بكل أنواع العار التاريخي، يجلس أمام كاميرا التلفزيون ليعترف بأن حماقته قادته لتصديق ماقاله له الآخرون ويدخل نفسه وبلده والعالم في أتون جحيم العراق. لكننا سنصرخ مثل أحد أبطال شكسبير: «كلمات، كلمات، مجرد كلمات» لا تصدر من القلب. وقائلها يجيب على التساؤل الشهير للطفلة البريئة أليس في أرض العجائب بأنه يستطيع، مثلما استطاع طيلة ثمان سنوات، أن يجعل الكلمات تعني أكثر من معنى وتشير إلى أكثر من شيء واحد وتصبح كلمات فارغة.

والواقع أن موضة الاعترافات العلنية وذرف دموع التماسيح من قبل المسئولين الكبار والحكومات والدول قد أصبحت لعبة مبتذلة في عالم يضحك فيه البعض على البعض الآخر للتغطية على المجازر والجرائم والإبادات. من هنا فان جلوس الرئيس الأميركي بوش على كرسي الاعتراف، مثلما جلس مثله أخ له من قبل في بريطانيا، لن يكفي لمواساة عائلة عراقية واحدة نكبت في موت عزيز لها على يد جنود هؤلاء الفراعنة الحمقى. وإذا كان الرئيس الأميركي يريدنا أن نبكي معه فليقنعنا أولا بأن قلبه، ومعه قلب بلاده، يمتلئان بالحزن والأسى على ما فعلا، وهو ما لم يحدث بعد، لكن المأساة المضحكة المبكية لن تنتهي هنا. فعملية معاقبة الرئيس بوش بدأت بالسقوط المدوي للحزب الجمهوري الأميركي، والتي ستمرّ بالكشف عن الفضائح الكثيرة التي ستظهر في المستقبل القريب، وعلى رأسها فضائح الانهيارات المالية والعقارية في أميركا وخارجها، والتي ستنتهي بدخول الرئيس بوش وزبانيته من المحافظين الأصوليين الصهاينة في مزبلة التاريخ... لكن ماذا عن الرؤساء العرب، والحكومات العربية، والأصوات العربية، التي رقصت على مسرح الجريمة مع بوش وزبانيته؟

اعترافات الرئيس الأميركي يجب أن تطرح ذلك السؤال، ونحن يجب أن نجيّش الناس للإلحاح على الحصول على جوابه. والجواب عليه يجب أن يبدأ بجلوس كل أولئك العرب على كرسي الاعتراف.

إذن ماذا عن الذين صدّقوا الكذب الأميركي والبريطاني، ودخلوا في لعبة التخويف الشيطانية، وخُدعوا هم وأجهزة مخابراتهم بصور أسلحة الدّمار الشامل المزوّرة؟ فكان أن سمحوا بدم بارد للطائرات الأميركية لتنطلق من مطاراتهم، وللبواخر الحربية الأميركية لترسوا في موانئهم، وللسّاسة والإعلاميين الأميركيين والبريطانيين أن يظهروا على شاشات تلفزيوناتهم، ولجيوشهم وقوات أمنهم بأن تنسّق مع قوى الغزو البربري.

هؤلاء جميعا متى سنسمع منهم كلمة اعتراف واحدة تنمّ عن اكتشافهم، ولو متأخرا، بأنهم هم أيضا خدعوا وعن حزنهم وأسفهم على الانخراط، بقصد أو بغير قصد، في تلك اللعبة التي سيسجّلها التاريخ بأنها كانت لعبة شيطانية دمّرت روح بلد وشعب وأدخلت مجتمع العراق في متاهات السّفالة والانحطاط؟

لماذا يضطر رئيس الوزراء البريطاني بلير ورئيس الدولة الأميركية بوش أن يعترفا بأخطائهما ولا يعترف رئيس دولة عربية واحدة أو رئيس وزراء واحد أو قائد جيش... إلخ، علنا بأنهم ارتكبوا خطأ في التعامل مع تلك المسألة القومية؟

لسنا هنا للوقوف مع النظام العراقي السابق ولا مع تبرير أي من أخطائه وحماقاته، فذلك موضوع آخر. نحن في صدد وصف هذه الظاهرة السياسية العربية المخجلة، حيث يرتكب الكبار من المسئولين أفضع الأخطاء، ثم يلوذون بالصمت الأبدي، ويخفون أياديهم الملطخة بالدماء في جيوبهم، ويبتسمون ابتسامات البراءة الكاذبة. هذه الظاهرة تفضحها بصوت مدوٍّ اعترافات الكثيرين في الغرب بالجرائم والخطايا التي ارتكبوها بحق شعب العراق المنكوب في حياته ومستقبل أجياله. هذه الظاهرة تفضح شخصية من يتنطّعون لحمل المسئولية في بلاد العرب. فإذا كان قد قيل إن الشخصية بالنسبة للإنسان تماثل العطر بالنسبة للوردة، فإننا نكاد أن نقول إن رائحة الوردة العربية قد أصبحت نتنة عفنة

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2284 - السبت 06 ديسمبر 2008م الموافق 07 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً