تتناقل وسائل الإعلام يوميا أخبار تداعيات الأزمة المالية العالمية في مختلف العواصم. لم تعد هناك أي استثناءات فقد ساوت تلك الأزمة، التي اعتبرتها بعض المصادر المالية، أسوأ أزمة مالية عالمية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، بين الدول النامية وتلك المتطورة. لكن الملاحظ، أن الدول المتقدمة اقتصاديا، على المستوى الدولي، والمؤسسات الأكثر غنى على المستوى القطري، هي التي نالت حصة الأسد من تلك التغطيات الإعلامية.
فمقابل السيل المتواصل من الأخبار والتحليلات التي تناولت اقتصاديات الدول الغربية، نادرا ما يصادفنا خبر عن الدول الآسيوية أو الإفريقية الفقيرة ومدى معاناة اقتصادها من ذيول تلك الأزمة.
كذلك الأمر على المستوى القطري، حظت المؤسسات المالية الكبيرة وأصحابها بحصة الأسد مما كشفته الوسائل الإعلامية، في حين تناولت وسائل الإعلام ذاتها، أوضاع مؤسسات التنمية وأحوال المستفيدين منها، وانعكاسات تلك الأزمة على أوضاعهما على نحو محدود وفي نطاق ضيق.
الخطير في الأمر أن توقعات العديد من الخبراء الاقتصاديين، والذين تسربت تحذيراتهم على نحو خجول ومحدود إلى الوسائل الإعلامية، من أمثال رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة ليون موريروس، أشاروا إلى تلك المسألة بوضوح.
ففي تصريح له نقلته صحيفة «الدستور» (2-12-2008)، يؤكد موريروس قائلا: «إن أخطر تداعيات الأزمة المالية أنها ستؤدي إلى مضاعفة الفقر الذي تعانيه العديد من الدول حول العالم، فضلا عن أنها ستؤدي إلى تعطل نمو الاقتصاديات الناشئة... وأن الأزمة المالية سوف تقضي بشكل خاص على جهود إفريقيا في مساعيها نحو التنمية، كما سينتج عنها التراجع عن أهداف الألفية بمقدار 7 سنوات إلى الوراء».
يشارك موريروس رأيه هذا، نائب رئيس البنك الدولي وكبير اقتصادييه جوستين لين الذي يؤكد أن «الدول النامية واجهت مشكلات رئيسية خلال العام الماضي مما أدخل عددا منها في منطقة الخطر اقتصاديا، (ويتوقع) أن يكتوي الفقراء في الدول النامية بصورة أشد من غيرهم بسبب الأزمة المالية العالمية».
ويرى لين في كلمته التي ألقاها في المؤتمر الدولي لتمويل التنمية الذي عقد في الدوحة في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 أن «النمو الاقتصادي في الدول النامية الذي وصل معدله إلى 7.8 في المئة في العامين الماضيين يتوقع أن يتباطأ إلى 4.5 في المئة في العام 2009».
والملفت للنظر فيما ورد في تلك الكلمة اعتباره «مساعدات الدول الغنية للدول النامية التي تصل مئة مليار دولار سنويا غير كافية بل إنها متواضعة بالنظر إلى تريليونات الدولارات التي تنفقها الدول الغنية على معالجة الأزمة المالية الحالية».
في الاتجاه ذاته حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في اجتماع لرؤساء وكالة الأمم المتحدة عقد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2008 خصيصا لمناقشة الأزمة وتداعياتها، وحضره أيضا رؤساء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من أن «الأزمة المالية العالمية تعرض للخطر كل شيء فعلته الأمم المتحدة لمساعدة الفقراء والجوعى في العالم»... وأضاف خلال اجتماع «أن الأزمة الائتمانية التي أذهلت الأسواق في شتى أنحاء العالم ضاعفت من أزمة الغذاء وأزمة الطاقة وأزمة التنمية بأفريقيا». وذهب بان كي مون بعيدا في تشاؤمه إلى درجة قال فيها: إن سلبيات تلك الأزمة قد تصل إلى حد «تصبح فيه الضربة الأخيرة التي لا يستطيع أن ينجو منها كثيرون من أفقر فقراء العالم».
دراسة دولية أخرى صدرت عن «مجموعة البنك الدولي لشئون تخفيض أعداد الفقراء وإدارة الاقتصاد» تحت عنوان «الصمود أمام العاصفة: استجابات السياسات الاقتصادية للأزمة المالية»، ووزعت أثناء مؤتمر الدوحة تحذيرا من مخاطر الانعكاسات الاجتماعية للأزمة المالية على الدول الفقيرة إذ ترى أن «الأزمة المالية ستتحول إلى انخفاض في الطلب على العمالة في الكثير من البلدان النامية، وإلى انخفاض مستوى الأجور، وارتفاع مستوى البطالة. ولذلك، فهي توصي باعتماد سياسات لمساندة دخل الفقراء العاملين، مثل برامج التحويلات النقدية المشروطة، وزيادة المعاشات التقاعدية الاجتماعية ورواتب العجز، والمزايا الممنوحة للعاطلين عن العمل، بين جملة توصيات أخرى».
خبير اقتصادي ألماني، وهو نائب رئيس معهد الاقتصاد الدولي، في مدينة كيل الألمانية رولف لانجاهامر يحدد، في حديث له مع موقع «دويتشه فيله»، الآثار السلبية التي يمكن أن تفرزها الأزمة المالية في اقتصاديات الدول النامية في 3 محاور أساسية هي: «انخفاض الطلب على منتجات الدول النامية، لاسيما تلك المصدرة للمواد الخام، نتيجة انخفاض الطلب العالمي، وهو ما سينعكس على موازنات الدول النامية وقدراتها على تمويل مشاريعها التنموية وعلى استمراريتها في دعم الغذاء لسكانها، ووجود مخاوف من أن تؤثر الأزمة على المساعدات التنموية التي تتلقاها الدول الفقيرة من قبل الدول الصناعية، واحتمال تقلص الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية ومنح القروض».
خلاصة الأمر أن الدول النامية والفقيرة لم تسلم من طوفان الأزمة المالية العالمية، والحديث عن دول نامية يشمل أيضا الدول العربية بما فيها تلك النفطية. فالوفرة النقدية المالية أكثر الثروات عرضة لسلبيات تلك الأزمة، فهشاشتها تجعلها عرضة للتبخر السريع أمام أزمة مثل التي تجتاح العالم اليوم
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ