بدأت أمس (الخميس) اجتماعات المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع إلى جامعة الدول العربية على مستوى وزراء المال والاقتصاد العرب وذلك لإجراء مراجعة شاملة لتحضيرات القمة الاقتصادية العربية المقرر عقدها بالكويت خلال الفترة ما بين 19 و 20 يناير/ كانون الثاني 2009.
على هامش تلك الإجتماعات، بدأت تصلنا التصريحات العربية المتكررة الداعية إلى أهمية «تكامل الاقتصاد العربى» وضرورة «الإسراع فى إنشاء السوق العربية المشتركة لمواجهة التحديات الاقتصادية التى تواجه الأمة العربية»، وبأن «الظروف تحتم - الآن - الإسراع في تفعيل العمل الإقتصادي العربي المشترك من خلال آليات عملية وعلمية مدروسة لتجنب الفشل والتعثر». ومن المتوقع أن نسمع المزيد منها مع اقتراب موعد القمة وخلال انعقادها، مع مزجها بنكهة جديدة تتطرق إلى الأزمة المالية العالمية التي تعصف بالإقتصاد الدولي من دون أن تستثني الإقتصاد العربي.
وطالما أن القمة إقتصادية، فسنحصر التحديات التي نتوقع أن تواجهها القمة في الحقل الإقتصادي، متحاشين، قدر الإمكان الإنزلاق إلى التحديات السياسية، على رغم قناعتنا باستحالة فصل السياسة عن الإقتصاد، وخصوصا عند معالجة موضوع «الإقتصاد العربي».
أول التحديات التي ستواجهها القمة الإقتصادية تنبع من أرضية تشريعية، وبالتحديد تلك التشريعات التي تحكم آليات السوق وتسير العلاقات التجارية بين الدول العربية. فحتى يومنا هذا، وباستثناء حالات نادرة وقضايا محددة، نجد أن تلك القوانين المتعلقة بتسهيل إنشاء «سوق عربية موحدة» ما تزال تنام في أدراج المسئولين وبين دفات الكتب الأكاديمية، وفي كتابات الحالمين بنحقيق تلك السوق. يمكننا هنا أن نسوق مجموعة من العناوين من أنماط: توحيد التعرفة المشتركة، تناغم قوانين التصدير والإستيراد، تسهيل إجراءات نقل البضائع بين الدول العربية ... التي لم توضع على محك التطبيق، وما تزال تقف عقبة حقيقية أمام تعاون إقتصادي عربي حقيقي وجاد، دع عنك سوقا عربية مشتركة.
ثاني التحديات ينبع من مدى تكامل السياسات الإقتصادية، فإلى يومنا هذا يصعب الحديث عن دولتين عربيتين جلستا على طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى وضع سياسات إقتصادية غير متناقضة، قبل الوصول إلى مرحلة «المتكاملة». بالطبع يمكن لكل منهما أن يسوق الأعذار التي تبرر له تعثر المفاوضات أو بطء تنفيذ ما تم الإتفاق عليه بشأن ذلك التعاون. لكن المحصلة، وهذا هو الأهم، مراوحة الدولتين العربيتين عند نقطة البدء، وعدم رغبة أي منهما أخذ زمام المبادرة.
ثالث التحديات مصدره بنيوي، فالبنية التحتية التي تربط بين الدول العربية، سواء كان ذلك على مستوى الإتصالات أم المواصلات ما تزال في مراحلها الجنينية بين بعض الدول، مثل دول مجلس التعاون، وغير موجودة، في حالات كثيرة، بسبب الصراعات السياسية القائمة بين البلدان العربية.
ليس القصد من الإشارة إلى تلك التحديات، إشاعة أجواء التشاؤم، ولا نشر فيروس الإحباط، بقدر ما هي الرغبة في تسليط الأضواء ووضع الأمور في نصابها. وبالتالي فمن الطبيعي أن يطالبنا القارئ أن ننتقل من مجرد رصد الحالة إلى مستوى إبراز الأسباب.
إن من أهم الأسباب التي جمدت تنفيذ طموحات وقرارات «العمل الإقتصادي المشترك» هي النزعة الإنتهازية التي سادت سياسات الدول العربية، وعبر عنها من شاركوا في الإجتماعات الخاصة بذلك العمل المشترك؛ إذ كان يأتي كل مندوب او مشارك حاملا معه المشروع أو المشاريع التي من شأنها أن تضمن لبلده، حصة الأسد من تلك المشاريع.
الأنانية القطرية المرتكزة على ذهنية أنانية، هي التي سادت وسيطرت على كل الخطوات التنفيذية للمشروعات العربية المشتركة؛ الأمر الذي فنح الأبواب العربية واسعة أمام أطراف أجنبية كثيرة، نجحت في تعزيز «التباعد الإقتصادي العربي». نحن هنا لا نشير بأصابع الإتهام إلى مدبري مؤامرة، ولا نلقي باللوم على «القوى الأجنبية»، بقدر ما نكشف عن تكامل عنصرين لهما الدور الأكبر في استمرار ذلك التباعد: عامل داخلي مصدره تلك الذهنية العربية الإنتهازية، وآخر خارجي له، هو الآخر، مصلحة كبيرة في تغذية تلك الذهنية وضمان استمراريتها.
هذه الذهنية الإنتهازية، لم تنبثق من فراغ، ولم تقدر أن تعيش وتنتنفس وتنمو، في غياب الأرضية الخصبة التي تحضنها وتغذيها، وتلك الأرضية هي العقلية القبلية التي تسود مؤسسات صنع القرار السياسي العربي، بما فيها تلك القرارات الإقتصادية المتعلقة بالعمل الإقتصادي العربي المشترك
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2282 - الخميس 04 ديسمبر 2008م الموافق 05 ذي الحجة 1429هـ