شهدت الأسابيع الماضية فعاليات شعبية واسعة كلها كانت تحت عنوان واحد «مشكلة الإسكان» الملف الكبير الذي بات أهم الملفات المؤرقة الموجودة على سطح خارطة الوطن، لعل أبرز الفعاليات الشعبية التي أقيمت احتجاجا على التجاهلات الرسمية للمشكلة الإسكانية عموما ومشكلة المدينة الشمالية الذي صرنا لا نعرف عن المدينة سوى اسمها التي وعدنا بها، مهرجان المجلس البلدي الشمالي الذي أقيم على إثر الضربة القاصمة لظهر أهالي المحافظة الشمالية الذين خرجوا من مساكنهم في أحد المجمعات في الشهر الماضي ليجلسوا على الكراسي في العراء وتحت السماء ليبكوا حظهم على ما حرموا منه، بعد أن وعدوا وعودا كانت بالنسبة لهم كالحلم الجميل ولكن الوعود حينما لا تتحقق تصبح تماما كالأحلام المزعجة التي تطاردنا وتقلق منامنا.
مؤخرا وللأسف الشديد اتضحت لنا حقيقة المدينة الشمالية وللشماليين الذين أصبحوا هم ومدينتهم الشمالية بين عشية وضحاها غنيمة دسمة في يد المتنفذين الطامعين أصحاب البنوك والأرصدة البنكية الضخمة وأصحاب الأراضي والأملاك والعقارات.
وبدورنا نتعجب ونطلقها مدوية أيعقل؟!
أيعقل أن يتحول حلم المدينة الشمالية بعد أن رسخ في وجدان الأهالي من ست سنوات (2002) إلى أشلاء؟!
أيعقل أن يستطيع الإنسان أن ينسى الحلم بعد أن ترعرع في وجدانه وأخذ منه مأخذه؟
أيعقل أن يفترض منا أن نكون قد نسيناه بعد أن تم تصديق خبر المدينة الشمالية، وصار الجميع أطفالا وكبارا وشيوخا ينتظرون لحظة التحقيق ويعدون حينها السنين والأيام والدقائق وباتوا ينتظرون اللحظة؟ لحظة أن يتحول الحلم إلى واقع معاش وأن يغادروا خربهم التي ضاقت بهم وضجوا منها، لينزلوا إلى مدينتهم الشمالية التي وعدوا بها، وليس تحويل حلم المدينة إلى سراب أو أشلاء تتطاير في الهواء أمام أعينهم بسهل لا على القلوب ولا على العقول.
أيعقل أن تتحول الوعود والآمال إلى أطلال؟! بعد أن وعدوا المواطنين جميعهم بأن تكون لهم أرض؟ فعندما وعدوا بالأراضي كانوا قد شعروا بنشوة لا توصف، وكيف لا؟، فما بالكم حينما يوعد الأهالي بمدينة كالمدينة الشمالية مدينة نموذجية بكل خدماتها؟! كما تناقل خبرها الإعلام.
أهالي المدينة الشمالية لم ولن يكونوا في يوم من الأيام أفلاطونيي العقيدة ولا الهوى بل إنهم في الغالب لا يعرفون أفلاطون ولا أحلامه الواعدة ولم يظنوا أن حلمهم لمدينتهم كحلم أفلاطون لمدينته الفاضلة التي ظل يتغنى بها ويحلم فيها وشتان بين الحلم والحقيقة، كما لم يعرف عن أهالي الشمالية يوما بجرأتهم إلى الحد الذي يأتي اليوم ليعطوا لأنفسهم فرصة الغرق في النوم ليحلموا بحلم أن تكون لهم مدينة كالمدينة التي حلم بها أفلاطون فلم تكن لها أصداء على الواقع سوى إيقاع الاسم الذي رن ولايزال كذلك في آذاننا حتى وقتنا الحاضر وسيظل يتردد بين الأجيال القادمة؛ لكونها حلما لا يمكن له أن يتحقق فتحولت إلى حلم، مثلها تماما مثل المدينة الشمالية التي نعاصرها حاليا.
ولكن أهالي المدينة الشمالية وضعهم مختلف تماما، وقضيتهم مغايرة فقد تعرضوا إلى سلب وتعرضوا إلى خطف وتعرضوا إلى سرقة وتعرضوا إلى تجاهل ونكران ولم يكونوا يوما أولوية على أجندة الجهات الرسمية بدليل خلو الموازنة العامة من وجود موازنة لبناء المدينة الشمالية فكيف للمدينة أن تكون واقعا بلا موازنة؟ وكيف تكون أولوية بلا اهتمام رسمي؟
سكان المدينة الشمالية اعترض حلمهم الجميل الواعد جماعة طامعة حاقدة جشعة لا تعرف الرحمة ولا الرأفة، جماعة من هواياتها المفضلة البحث عن الأراضي المتميزة والتي تتمتع بمواصفات جذابة لاقتنائها وتخزينها ضمن أرصدتهم المليئة، وأيضا من أبرز سماتها الأنانية وحب النفس، فلا تفكر في الآخرين ولا في احتياجاتهم وكل ما يهمها مصالحها وأطماعها الخاصة، حتى لو صادرت حقوق الآخرين وسلبته لنفسها.
رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة أكد من خلال لقائه ممثلي المحافظة الشمالية النواب والبلدين قبل أيام أن مشروع المدينة الشمالية حيوي ولا غنى عنه ولن يحول دون تنفيذه شيء، فالحكومة تدرك أن أهالي المحافظة الشمالية بحاجة لهذه المدينة، لذلك لا يمكن أن يتأخر تنفيذها.
في حين أن عددا من أعضاء مجلس النواب يطالبون الحكومة بتحديد الاستراتيجية التي سيسير عليها مشروع المدينة الشمالية، وتخصيص موازنة له ضمن الموازنة العامة للدولة، إلى جانب تحديد نسبة المشاريع الإسكانية فيها ومعرفة تاريخ وموعد بدء المشروع، وما إذا كانت موازنته ستضم إلى موازنة الدولة المقبلة أم لا؟ حيث أن الموضوع بحسب ما يراه ممثلو الأهالي يجب أن يحظى بمتابعة شخصية من سمو رئيس الوزراء حتى ينفذ ولا يبقى في أروقة وزارة الإسكان.
لأن ما حدث للمدينة الشمالية يمكن أن نعده - بلا مبالغة - سطوا وسرقة، والمؤسف أن الأهالي لا يستطيعون الشكوى إلا إلى الله تعالى، باختصار شديد هناك من يخطط لتوزيع أراضي المدينة الشمالية وهناك من الأراضي قد وزعت بالفعل، فهناك من يسرق الأراضي ويسرق الحلم من عيون الآخرين، وهناك من يتستر على السراق، سراق الأراضي والأحلام كل ذلك يحدث في بلد العجائب والغرائب، ويا غافلين إليكم الله، ولأهالي الشمالية إليكم بيوت ومدن في الجنة وبشر الصابرين
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ