العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ

أوباما ومهمات فوق العادة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مهمات فوق العادة تواجه الرئيس المنتخب باراك أوباما في الأسابيع المقبلة الأمر الذي سيضعه في موقع صعب يفقده تلك الهالة المشفوعة بالتوقعات من جانب الناخب الأميركي. فالمهمات كبيرة ومعقدة وهي، كما توقع مسئول المخابرات في اللقاء الأول بعد انتخابه، ستؤدي إلى تخفيف الزخم وقوة الاندفاع والتفاؤل بعد اطلاعه عليها. مسئول المخابرات المكلف بإيجاز الملفات واختصارها وتوضيح ملابساتها يوميا للرئيس يعلم تماما ماذا يقول لسبب بسيط وهو أنه أكثر معرفة بالتفصيلات ويتابع بدقة كل الخلفيات التي تحرك الأزمات في الخفاء.

هناك الكثير من الحقائق لا تعلن وما هو ظاهر في الصورة ليس بالضرورة يمثل الجانب الصحيح وما هو غير مرئي في المشهد يلعب الدور المطلوب وراء الكواليس. ومثل هذه اللعبة لا يدركها رجال السياسة إلا بعد الدخول في شبكاتها الداخلية وهذا ما يعطي بعض الصدقية لكلام «رجال المخابرات» الذين يعرفون ما هو حاصل ميدانيا وما هو مطلوب عمليا، وما هي الإمكانات الفعلية التي تمتلكها الأجهزة والمؤسسات وحجم قدرتها على التحكم بمختلف المجريات والتحولات.

هل يراجع أوباما خطواته ويأخذ بتعديل توجهاته حتى تتأقلم مع صناعة السياسة أم يستمر في منهجه من دون قراءة متأنية لتلك المهمات فوق العادة التي أخذ بالإطلاع على ملفاتها السرية منذ حصول اللقاء الأول مع مسئول المخابرات الأميركية؟ الاحتمال يتجه نحو تعديل القراءة وتصحيحها حتى لا تتخذ قرارات مغامرة أو مبالغة في التوقعات.

الأزمة الهندية - الباكستانية مثلا التي رفعت درجة حرارتها هجمات مومبي يرجح أن تثقل من مهمات الرئيس المنتخب وتضغط عليه باتجاه إعادة النظر بأولوياته. وفي حال تصاعدت وتيرة الأزمة في جنوب غرب آسيا فإنها ستضع أمام أوباما مجموعة تحديات لا يستطيع تجاهلها في وقت وعد الناخب الأميركي بأنه سيعطي انتباهه لمسألة الاقتصاد وتلك المشكلات الناجمة عن تداعي أسواق المال.

إدارة أوباما لن تكون في حال أفضل من النهاية التي أوصلت إدارة جورج بوش الولايات المتحدة إليها. فهناك الكثير من الملفات الساخنة تواجه الإدارة الجديدة من البداية وهي في مجموعها تحتاج إلى وقت لاحتواء عناصرها القابلة للاشتعال. أوباما حتى الآن يؤكد للناخب أن مسألة الاقتصاد تحتل المقام الأول في جدول أعماله. ولكن الاقتصاد الأميركي في مجمله لا يمكن عزله عن السياسة ودور المؤثرات الخارجية في صنع القرارات الداخلية حتى لو اختارت واشنطن طريق الانكفاء عن العالم وانعزلت في دائرة جغرافية. وبسبب هذا الترابط بين التوجهين سيواجه أوباما مشكلات متواصلة الحلقات بين حاجات الداخل وضغوط الخارج.

فوضى بناءة

داخليا أصبحت الأزمة المالية تحتل الموقع الأول وبعدها تأتي مسألة الأمن. وخارجيا تحتل المسألة الأمنية الأولوية. وحل الموضوع الاقتصادي يتطلب من إدارة واشنطن اتباع سياسة تعيد تفكيك الهيكل العام للقطاعات المنتجة حتى تتناسب البدائل مع برنامجه في الإنفاق المالي. وعملية التفكيك وإعادة التركيب تقتضي من أوباما طرح موازنة تخالف رؤية بوش الذي أعطى الدفاع والأمن اهتمامه الأول خلال عهده. وهنا تحديدا تبدأ المشكلة في حال تواصلت الأزمات الخارجية تتفجر واحدة بعد أخرى كما حصل في مومبي الأسبوع الماضي.

الإدارة الأميركية الجديدة لا تستطيع اعتماد سياسة مزدوجة في أولوياتها تجمع بين حاجات الاقتصاد ومتطلبات الأمن باعتبار أن المشكلة المالية ستأخذ موقعها في حسم الخيار المفضل. فالعجز في الموازنة يتطلب جدولة الأولويات وتعديل قنوات الإنفاق حتى تتناسب مع خطط الإدارة وهذا يحتاج إلى سياسة خارجية تساعد على تنشيط الأسواق حتى تكون قادرة على ضخ الأموال التي تنتظرها بعض الصناعات المدنية المهددة بالإفلاس. ولكن المشكلة التي يتوقع أن تتحدى أوباما تتمثل في قدرته على إقفال الملفات الخارجية وتطويق الأزمات الأمنية ومنعها من الانفجار أو الانتشار. وما حصل في شبه الجزيرة الهندية يعطي صورة مخالفة لتلك الاهتمامات التي وعد أوباما الناخب الأميركي بالتركيز عليها.

شد انتباه الإدارة الجديدة إلى الخارج مسألة مطروحة بقوة لأن مؤسسات التصنيع الحربي وشركات الطاقة وأسواق البورصة تخوض الآن معركة خفية لمنع أوباما من التفرغ إلى الداخل وتعديل موازنات الوزارات لتغطية حاجات القطاعات المنتجة المهملة والمهددة بالإقفال وربما تسريح الملايين من الموظفين والعمال. وما حصل في مومبي مجرد نموذج مصغر عن عقبات قد تواجه أوباما لمنع إدارته من التفرغ لبناء خطط تتناسب مع جدول أولوياته.

مسألة الاقتصاد أم الأمن ستكون مدار تجاذب في إدارة أوباما، لأن حسم الأولوية لهذا الجانب أو ذاك يتطلب إعادة قراءة لكل الملفات وترتيبها ضمن جدول يفرض على الرئيس المنتخب مراجعة نسب الموازنات والقنوات التي تتكفل برفد الخزينة ما تحتاجه من أموال لتغطية حاجات الداخل أو متطلبات الخارج. وعملية الاختيار بين الاقتصاد أولا أو الأمن مسألة حسابية في النهاية تتحكم بها مجموعة مراكز قوى تتجاوز رغبات الرئيس المنتخب وتوجهاته. فالرئيس يستطيع أن يعدل الكثير من جوانب الصورة لكنه لا يمتلك تلك الصلاحيات الخارقة للطبيعة باعتبار أن صناعة القرارات الاستثنائية تحتاج إلى نوع من التوازن حتى لا تغرق الإدارة في «فوضى بناءة» كما هو حال «الشرق الأوسط الكبير».

هناك مهمات كثيرة «فوق العادة» تنتظر الرئيس المنتخب وهي في مجموعها محكومة بمدى قدرة الإدارة الجديدة على تطويع استراتيجية الإدارة السابقة وإعادة إخضاعها لبرنامج مختلف في أولوياته. فهل ينجح أوباما في مهماته الصعبة أم تتحول وعوده الانتخابية إلى ملفات مستحيلة؟ الجواب الأخير لا يقرره الرئيس وإنما المصالح التي تتحكم بها حتى الآن مؤسسات التصنيع الحربي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً